وَقَدْ وَصَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم بالإحسان إلى الأرقاء في غير ما حَدِيثٍ، حَتَّى إِنَّهُ كَانَ آخِرَ مَا أَوْصَى أَنْ جَعَلَ يَقُولُ: «الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ» «١» قال مجاهد: هو المحبوس، أي يطعمون الطعام لهؤلاء وَهُمْ يَشْتَهُونَهُ وَيُحِبُّونَهُ قَائِلِينَ بِلِسَانِ الْحَالِ إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ أَيْ رَجَاءَ ثَوَابِ اللَّهِ وَرِضَاهُ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً أي لا نطلب منكم مجازاة تكافئوننا بِهَا وَلَا أَنْ تَشْكُرُونَا عِنْدَ النَّاسِ.
قَالَ مُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: أَمَا وَاللَّهِ مَا قَالُوهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ وَلَكِنْ عَلِمَ اللَّهُ بِهِ مِنْ قُلُوبِهِمْ، فَأَثْنَى عَلَيْهِمْ بِهِ. لِيَرْغَبَ فِي ذَلِكَ رَاغِبٌ إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً أَيْ إِنَّمَا نَفْعَلُ هَذَا لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَرْحَمَنَا وَيَتَلَقَّانَا بِلُطْفِهِ فِي الْيَوْمِ الْعَبُوسِ الْقَمْطَرِيرِ.
قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: عَبُوساً ضَيِّقًا، قَمْطَرِيراً طَوِيلًا، وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَغَيْرُهُ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً قال: يَعْبَسُ الْكَافِرُ يَوْمَئِذٍ حَتَّى يَسِيلَ مِنْ بَيْنِ عَيْنَيْهِ عَرَقٌ مِثْلُ الْقَطْرَانِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ عَبُوساً العابس الشفتين قَمْطَرِيراً قال: يقبيض الْوَجْهِ بِالْبُسُورِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةُ: تَعْبَسُ فِيهِ الْوُجُوهُ مِنَ الْهَوْلِ، قَمْطَرِيراً تَقْلِيصُ الْجَبِينِ وَمَا بَيْنَ الْعَيْنَيْنِ مِنَ الْهَوْلِ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ، الْعُبُوسُ الشَّرُّ، وَالْقَمْطَرِيرُ الشَّدِيدُ، وَأَوْضَحُ الْعِبَارَاتِ، وَأَجْلَاهَا، وَأَحْلَاهَا، وَأَعْلَاهَا وَأَوْلَاهَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «٢» : وَالْقَمْطَرِيرُ هُوَ الشَّدِيدُ يُقَالُ: هُوَ يَوْمٌ قَمْطَرِيرٌ وَيَوْمٌ قُمَاطِرُ وَيَوْمٌ عَصِيبٌ وَعَصَبْصَبٌ، وَقَدِ اقْمَطَرَّ الْيَوْمُ يَقْمَطِرُّ اقْمِطْرَارًا، وَذَلِكَ أَشَدُّ الْأَيَّامِ وَأَطْوَلُهَا في البلاء والشدة ومنه قول بعضهم: [الطويل]
بَنِي عَمِّنَا هَلْ تَذْكُرُونَ بَلَاءَنَا؟ | عَلَيْكُمْ إِذَا مَا كَانَ يَوْمُ قُمَاطِرَ «٣» |
قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ فِي حَدِيثِهِ الطَّوِيلِ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ
(٢) تفسير الطبري ١٢/ ٣٦١.
(٣) البيت بلا نسبة في لسان العرب (قمطر)، وتاج العروس (قمطر)، وديوان الأدب ٢/ ٥٧، وتفسير الطبري ١٢/ ٣٦١.