وقوله تعالى: كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ أَيْ هَذِهِ السُّورَةُ أَوِ الْوَصِيَّةُ بِالْمُسَاوَاةِ بَيْنَ النَّاسِ فِي إِبْلَاغِ الْعِلْمِ مِنْ شَرِيفِهِمْ وَوَضِيعِهِمْ وَقَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ يَعْنِي الْقُرْآنَ فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ أي فمن شاء ذكر الله تعالى في جميع أموره ويحتمل عود الضمير إلى الوحي لدلالة الكلام عليه.
وقوله تعالى: فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ أَيْ هَذِهِ السُّورَةُ أَوِ الْعِظَةُ وَكِلَاهُمَا مُتَلَازِمٌ بَلْ جَمِيعُ الْقُرْآنِ فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ أَيْ مُعَظَّمَةٍ مُوَقَّرَةٍ مَرْفُوعَةٍ أَيْ عَالِيَةِ الْقَدْرِ مُطَهَّرَةٍ أَيْ مِنَ الدنس والزيادة والنقص. وقوله تعالى: بِأَيْدِي سَفَرَةٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ وَابْنُ زَيْدٍ: هِيَ الْمَلَائِكَةُ. وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: هُمْ أَصْحَابُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ قَتَادَةُ: هُمُ الْقُرَّاءُ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: السَّفَرَةُ بِالنَّبَطِيَّةِ الْقُرَّاءُ، وقال ابن جرير «١» : والصحيح أَنَّ السَّفَرَةَ الْمَلَائِكَةُ وَالسَّفَرَةُ يَعْنِي بَيْنَ اللَّهِ تعالى وَبَيْنَ خَلْقِهِ وَمِنْهُ يُقَالُ السَّفِيرُ الَّذِي يَسْعَى بَيْنَ النَّاسِ فِي الصُّلْحِ وَالْخَيْرِ كَمَا قَالَ الشاعر: [الوافر]
وَمَا أَدَعُ السِّفَارَةَ بَيْنَ قَوْمِي | وَمَا أَمْشِي بِغِشٍّ إِنْ مَشَيْتُ «٢» |
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٤» : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى عَنِ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَهُوَ مَاهِرٌ بِهِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَؤُهُ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ، لَهُ أَجْرَانِ» «٥» أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ مِنْ طريق قتادة به.
(٢) البيت بلا نسبة في تفسير الطبري ١٢/ ٤٤٦، وتفسير البحر المحيط ٨/ ٤١٧، وفتح القدير ٥/ ٣٨٣.
(٣) كتاب التفسير، تفسير سورة ٨٠، في الترجمة.
(٤) المسند ٦/ ٤٨، ٩٤، ٩٨، ١١٠، ١٧٠، ١٩٢، ٢٣٩، ٢٦٦.
(٥) أخرجه البخاري في تفسير سورة ٨٠، ومسلم في المسافرين حديث ٢٤٤، وأبو داود في الوتر باب ١٤، والترمذي في ثواب القرآن باب ١٣، وابن ماجة في الأدب باب ٥٢، والدارمي في فضائل القرآن باب ١١. [.....]