حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، حَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ أَبَا مُوسَى لَمَّا افْتَتَحَ أَصْبَهَانَ وَجَدَ حَائِطًا مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ قَدْ سَقَطَ، فَبَنَاهُ فَسَقَطَ ثُمَّ بَنَاهُ فَسَقَطَ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ تَحْتَهُ رَجُلًا صَالِحًا، فَحَفَرَ الْأَسَاسَ فَوَجَدَ فِيهِ رَجُلًا قَائِمًا مَعَهُ سَيْفٌ فِيهِ مَكْتُوبٌ:
أَنَا الْحَارِثُ بْنُ مُضَاضٍ نَقَمْتُ عَلَى أَصْحَابِ الْأُخْدُودِ، فَاسْتَخْرَجَهُ أَبُو مُوسَى وَبَنَى الْحَائِطَ فَثَبَتَ. (قُلْتُ) : هُوَ الْحَارِثُ بْنُ مُضَاضِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مُضَاضِ بْنِ عَمْرٍو الْجُرْهُمَيُّ، أَحَدُ مُلُوكِ جُرْهُمِ الَّذِينَ وَلُوا أَمْرَ الْكَعْبَةِ بَعْدَ وَلَدِ نَبْتِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَوَلَدُ الْحَارِثِ هَذَا هُوَ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ بْنِ مُضَاضٍ هُوَ آخِرُ مُلُوكِ جُرْهُمَ بِمَكَّةَ لَمَّا أَخْرَجَتْهُمْ خُزَاعَةُ وَأَجْلَوْهُمْ إِلَى الْيَمَنِ، وَهُوَ الْقَائِلُ فِي شِعْرِهِ الَّذِي قَالَ ابْنُ هِشَامٍ «١» إِنَّهُ أول شعر قالته العرب: [الطويل]
كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْحَجُونِ إِلَى الصَّفَا | أَنِيسٌ وَلَمْ يَسْمُرْ بِمَكَّةَ سَامِرُ «٢» |
بَلَى نَحْنُ كُنَّا أَهْلَهَا فَأَبَادَنَا | صُرُوفُ اللَّيَالِي وَالْجُدُودُ الْعَوَاثِرُ |
وَقَالَ أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ فِي قَوْلِهِ تعالى: قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ قَالَ: كَانَتِ الْأُخْدُودُ ثَلَاثَةً: خَدٌّ بِالْعِرَاقِ، وَخَدٌّ بِالشَّامِ، وَخَدٌّ بِالْيَمَنِ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَعَنْ مُقَاتِلٍ قَالَ: كَانَتِ الأخدود ثلاثة: واحد بنجران باليمن والأخرى بالشام والأخرى بفارس حرقوا بالنار، أَمَّا الَّتِي بِالشَّامِ فَهُوَ أَنْطَنَانُوسُ الرُّومِيُّ، وَأَمَّا الَّتِي بِفَارِسَ فَهُوَ بُخْتُنَصَّرُ، وَأَمَّا الَّتِي بِأَرْضِ الْعَرَبِ فَهُوَ يُوسُفُ ذُو نُوَاسٍ، فَأَمَّا الَّتِي بفارس والشام فلم ينزل الله تعالى فيهما قرآنا وأنزل في التي كانت
(٢) البيت الأول لعمرو بن الحارث بن مضاض أو للحارث الجرهمي في لسان العرب (حجن). وبلا نسبة في شرح قطر الندي ص ١٥٩. والبيت الثاني للحارث الجرهمي في لسان العرب (حجن)، ولعمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمي في تاج العروس (شرح خطبة المصنف)، ومعجم البلدان (مكة)، ولمضاض بن عمرو الجرهمي في معجم البلدان (الحجون)، ولشاعر جرهم في معجم البلدان (مأرب).