يَعْنِي مَكَّةَ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ قَالَ أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ يَحِلُّ لَكَ أَنْ تُقَابِلَ بِهِ، وَكَذَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَأَبِي صَالِحٍ وَعَطِيَّةَ وَالضَّحَّاكِ وَقَتَادَةَ وَالسُّدِّيِّ وَابْنِ زَيْدٍ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ مَا أَصَبْتَ فِيهِ فَهُوَ حَلَالٌ لَكَ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ قَالَ: أَنْتَ بِهِ مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ وَلَا إِثْمٍ، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ أَحَلَّهَا اللَّهُ لَهُ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي قالوه وَرَدَ بِهِ الْحَدِيثُ الْمُتَّفَقُ عَلَى صِحَّتِهِ. «إِنَّ هذا البلد حرم اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا يُعْضَدُ شَجَرُهُ وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهُ «١»، وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كحرمتها بالأمس، ألا فليبلغ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ» وَفِي لَفْظٍ آخَرَ: «فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ بِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ فَقُولُوا إِنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لكم» «٢».
وقوله تعالى: وَوالِدٍ وَما وَلَدَ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «٣» : حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنِ عَطِيَّةَ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ خَصِيفٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تعالى: وَوالِدٍ وَما وَلَدَ الْوَالِدُ الَّذِي يَلِدُ وَمَا وَلَدَ الْعَاقِرُ الَّذِي لَا يُولَدُ لَهُ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ شَرِيكٍ وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي بِهِ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ الْوَالِدُ الْعَاقِرُ وَمَا وَلَدَ الَّذِي يَلِدُ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَأَبُو صَالِحٍ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالسُّدِّيُّ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَخُصَيْفٌ وَشُرَحْبِيلُ بْنُ سَعْدٍ وَغَيْرُهُمْ: يَعْنِي بِالْوَالِدِ آدَمَ وَمَا وَلَدَ وَلَدَهُ، وَهَذَا الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ مُجَاهِدٌ وَأَصْحَابُهُ حَسَنٌ قَوِيٌّ، لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَقْسَمَ بِأُمِّ الْقُرَى وهي أم الْمَسَاكِنُ أَقْسَمَ بَعْدَهُ بِالسَّاكِنِ وَهُوَ آدَمُ أَبُو الْبَشَرِ وَوَلَدُهُ، وَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ: هُوَ إِبْرَاهِيمُ وَذُرِّيَّتُهُ، رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَاخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّهُ عَامٌّ فِي كُلِّ وَالِدٍ وَوَلَدِهِ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ أَيْضًا.
وَقَوْلُهُ تعالى: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةَ وَمُجَاهِدٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَخَيْثَمَةَ وَالضَّحَّاكِ وَغَيْرِهِمْ يَعْنِي مُنْتَصِبًا، زَادَ ابن عباس في رواية عنه منتصبا فِي بَطْنِ أُمِّهِ، وَالْكَبَدُ الِاسْتِوَاءُ وَالِاسْتِقَامَةُ، وَمَعْنَى هذا القول لقد خلقناه سويا مستقيما كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الْإِنْسانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شاءَ رَكَّبَكَ [الِانْفِطَارِ: ٦- ٧] وَكَقَوْلِهِ تعالى: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ [التِّينِ: ٤] وقال ابن جُرَيْجٍ وَعَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فِي كَبَدٍ قَالَ فِي شِدَّةِ خَلْقٍ أَلَمْ تَرَ إِلَيْهِ وذكر مولده ونبات أسنانه، وقال مُجَاهِدٌ فِي كَبَدٍ نُطْفَةٌ ثُمَّ عَلَقَةٌ ثُمَّ مُضْغَةٌ يَتَكَبَّدُ فِي الْخَلْقِ، قَالَ مُجَاهِدٌ: وَهُوَ كقوله تعالى: حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَأَرْضَعَتْهُ كُرْهًا ومعيشته كره فهو يكابد ذلك.

(١) لا يختلى خلاه: أي لا يقطع شجرة، والخلا: النبت الرطب.
(٢) أخرجه البخاري في العلم باب ٣٩، ومسلم في الحج حديث ٤٤٥، ٤٤٧، ٤٦٤.
(٣) تفسير الطبري ١٢/ ٥٨٦.


الصفحة التالية
Icon