وقوله تعالى: فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها أَيْ فَأَرْشَدَهَا إِلَى فُجُورِهَا وتقواها أي بين ذلك لها وَهَدَاهَا إِلَى مَا قُدِّرَ لَهَا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها بَيَّنَ لَهَا الْخَيْرَ وَالشَّرَّ، وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ وَالثَّوْرِيُّ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: أَلْهَمَهَا الْخَيْرَ وَالشَّرَّ، وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: جَعَلَ فِيهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «١» : حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى وَأَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ قَالَا:
حَدَّثَنَا عَزْرَةُ بْنُ ثَابِتٍ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَقِيلٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ الدِّيلِيِّ قَالَ:
قَالَ لِي عِمْرَانُ بْنُ حصين: أرأيت ما يعمل الناس فيه وَيَتَكَادَحُونَ فِيهِ أَشَيْءٌ قُضِيَ عَلَيْهِمْ وَمَضَى عَلَيْهِمْ مِنْ قَدَرٍ قَدْ سَبَقَ أَوْ فِيمَا يَسْتَقْبِلُونَ مِمَّا أَتَاهُمْ بِهِ نَبِيُّهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَكَّدَتْ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةُ؟
قُلْتُ: بَلْ شَيْءٌ قُضِيَ عَلَيْهِمْ، قَالَ: فَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ ظُلْمًا؟ قَالَ: فَفَزِعْتُ مِنْهُ فَزَعًا شَدِيدًا قَالَ: قُلْتُ لَهُ لَيْسَ شَيْءٌ إِلَّا وَهُوَ خَلْقُهُ وَمِلْكُ يَدِهِ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ، قال:
سددك الله إنما سألتك لِأَخْبَرَ عَقْلَكَ، إِنَّ رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَةَ أَوْ جُهَيْنَةَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ فِيهِ وَيَتَكَادَحُونَ، أَشَيْءٌ قُضِيَ عَلَيْهِمْ وَمَضَى عَلَيْهِمْ مِنْ قَدَرٍ قَدْ سَبَقَ أَمْ شَيْءٌ مِمَّا يَسْتَقْبِلُونَ مِمَّا أَتَاهُمْ بِهِ نَبِيُّهُمْ صلّى الله عليه وسلّم وَأَكَّدَتْ بِهِ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةُ؟ قَالَ: «بَلْ شَيْءٌ قَدْ قُضِيَ عَلَيْهِمْ» قَالَ: فَفِيمَ نَعْمَلُ؟ قَالَ: «مَنْ كَانَ اللَّهُ خَلَقَهُ لِإِحْدَى الْمَنْزِلَتَيْنِ يُهَيِّئُهُ لها وتصديق ذلك في كتاب الله تعالى: وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها «٢» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَزْرَةَ بْنِ ثَابِتٍ به.
وقوله تَعَالَى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّى نَفْسَهُ أَيْ بِطَاعَةِ اللَّهِ كَمَا قَالَ قَتَادَةُ: وَطَهَّرَهَا مِنَ الْأَخْلَاقِ الدَّنِيئَةِ وَالرَّذَائِلِ، وَيُرْوَى نَحْوُهُ عَنْ مُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ وَسَعِيدِ بْنِ جبير وكقوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى [الْأَعْلَى: ١٤- ١٥] وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها أَيْ دَسَّسَهَا أَيْ أَخْمَلَهَا وَوَضَعَ مِنْهَا بِخِذْلَانِهِ إِيَّاهَا عَنِ الْهُدَى حَتَّى رَكِبَ الْمَعَاصِيَ وَتَرَكَ طَاعَةَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّى اللَّهُ نَفْسَهُ، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّى اللَّهُ نَفْسَهُ كَمَا قَالَ الْعَوْفِيُّ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عباس.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أَبِي وَأَبُو زُرْعَةَ قَالَا: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو مَالِكٍ يَعْنِي عَمْرُو بْنُ هِشَامٍ عَنْ جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول في قول الله عز وجل: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفْلَحَتْ نَفْسٌ زَكَّاهَا اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ من حديث مَالِكٍ بِهِ، وَجُوَيْبِرٌ هَذَا هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ متروك الحديث، والضحاك

(١) تفسير الطبري ١٢/ ٦٠٢، ٦٠٣.
(٢) أخرجه مسلم في القدر حديث ١٠، وأحمد في المسند ٤/ ٤٣٨.


الصفحة التالية
Icon