الْأُمَّةِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ: قَالَ أَبُو مُصْعَبٍ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الزُّهْرِيُّ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِي أَعْمَارَ النَّاسِ قَبْلَهُ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ فَكَأَنَّهُ تَقَاصَرَ أَعْمَارُ أمته أن لا يَبْلُغُوا مِنَ الْعَمَلِ الَّذِي بَلَغَ غَيْرُهُمْ فِي طُولِ الْعُمْرِ، فَأَعْطَاهُ اللَّهُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ خَيْرًا مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ. وَقَدْ أُسْنِدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مَالِكٌ يَقْتَضِي تَخْصِيصَ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَقَدْ نَقَلَهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ أَحَدُ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ فَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَحَكَى الْخَطَابِيُّ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ وَنَقَلَهُ الراضي جَازِمًا بِهِ عَنِ الْمَذْهَبِ، وَالَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ أَنَّهَا كَانَتْ فِي الْأُمَمِ الْمَاضِينَ كَمَا هي في أمتنا.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ «١» : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، حَدَّثَنِي أَبُو زُمَيْلٍ سِمَاكٌ الْحَنَفِيُّ، حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِي مَرْثَدٌ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا ذَرٍّ قُلْتُ: كَيْفَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ؟ قَالَ: أَنَا كُنْتُ أَسْأَلُ النَّاسَ عَنْهَا قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ أَفِي رَمَضَانَ هِيَ أَوْ فِي غَيْرِهِ؟ قَالَ: «بَلْ هِيَ فِي رَمَضَانَ» قُلْتُ: تَكُونُ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ مَا كَانُوا فَإِذَا قُبِضُوا رُفِعَتْ أَمْ هِيَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: «بَلْ هِيَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» قُلْتُ:
فِي أَيِّ رَمَضَانَ هِيَ؟ قال: «التمسوها في العشر الأول والعشر الآخر» ثُمَّ حَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَحَدَّثَ ثُمَّ اهْتَبَلْتُ غَفْلَتَهُ قُلْتُ: فِي أَيَّ الْعَشْرَيْنِ هِيَ؟ قَالَ: «ابْتَغَوْهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، لَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا».
ثُمَّ حدث رسول الله ثُمَّ اهْتَبَلْتُ غَفْلَتَهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ بِحَقِّي عَلَيْكَ لَمَا أَخْبَرْتَنِي فِي أَيِّ الْعَشْرِ هِيَ؟ فَغَضِبَ عَلَيَّ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ مِثْلَهُ مُنْذُ صَحِبْتُهُ وَقَالَ: «الْتَمِسُوهَا فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ، لَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا» وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنِ الْفَلَّاسِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ بِهِ، فَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى مَا ذَكَّرْنَاهُ وَفِيهِ أَنَّهَا تَكُونُ بَاقِيَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فِي كُلِّ سَنَةٍ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَا كَمَا زَعَمَهُ بَعْضُ طَوَائِفِ الشِّيعَةِ مَنْ رَفْعِهَا بِالْكُلِّيَّةِ عَلَى مَا فَهِمُوهُ مِنَ الْحَدِيثِ الَّذِي سَنُورِدُهُ بَعْدُ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «فَرُفِعَتْ وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ» لِأَنَّ الْمُرَادَ رُفِعُ عِلْمُ وَقْتِهَا عينا. وفيه دلالة على أن لَيْلَةُ الْقَدْرِ يَخْتَصُّ وُقُوعُهَا بِشَهْرِ رَمَضَانَ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الشُّهُورِ، لَا كَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَمَنْ تَابَعَهُ مِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ مِنْ أَنَّهَا تُوجَدُ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ وترتجي فِي جَمِيعِ الشُّهُورِ عَلَى السَّوَاءِ.
وَقَدْ تَرْجَمَ أَبُو دَاوُدَ «٢» فِي سُنَنِهِ عَلَى هَذَا فَقَالَ: «بَابُ بَيَانِ أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي كُلِّ رَمَضَانَ» حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ النَّسَائِيُّ، أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَسْمَعُ عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فَقَالَ: «هِيَ فِي كُلِّ رَمَضَانَ»، وَهَذَا إِسْنَادٌ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ،
(٢) كتاب رمضان باب ٧.