مِنَ الْأَرْضِ فَإِنَّهَا أُمُّكُمْ وَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ عَامِلٌ عَلَيْهَا خَيْرًا أَوْ شَرًّا إِلَّا وهي مخبرة».
وقوله تعالى: بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها قَالَ الْبُخَارِيُّ «١» : أَوْحَى لَهَا وَأَوْحَى إِلَيْهَا وَوَحَى لَهَا وَوَحَى إِلَيْهَا وَاحِدٌ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَوْحى لَها أَيْ أَوْحَى إِلَيْهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مُضَمَّنٌ بِمَعْنَى أَذِنَ لَهَا. وَقَالَ شَبِيبُ بْنُ بِشْرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها قَالَ: قَالَ لَهَا رَبُّهَا قُولِي فَقَالَتْ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أَوْحى لَها أَيْ أَمَرَهَا، وَقَالَ القرظي: أمرها أن تنشق عنهم.
وقوله تعالى: يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً أَيْ يَرْجِعُونَ عَنْ موقف الْحِسَابِ أَشْتاتاً أَيْ أَنْوَاعًا وَأَصْنَافًا مَا بَيْنَ شَقِيٍّ وَسَعِيدٍ مَأْمُورٍ بِهِ إِلَى الْجَنَّةِ وَمَأْمُورٍ بِهِ إِلَى النَّارِ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ:
يَتَصَدَّعُونَ أَشْتَاتًا فَلَا يَجْتَمِعُونَ آخِرُ مَا عَلَيْهِمْ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: أَشْتاتاً فِرَقًا. وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ أي ليعلموا بِمَا عَمِلُوهُ فِي الدُّنْيَا مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، وَلِهَذَا قَالَ: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ «٢» : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْخَيْلُ لِثَلَاثَةٍ، لِرَجُلٍ أَجْرٌ وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ. فَأَمَّا الَّذِي لَهُ أَجْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأَطَالَ طِيَلَهَا فِي مَرْجٍ أَوْ رَوْضَةٍ فَمَا أَصَابَتْ فِي طِيَلِهَا ذَلِكَ فِي الْمَرْجِ وَالرَّوْضَةِ كَانَ لَهُ حَسَنَاتٌ، وَلَوْ أَنَّهَا قَطَعَتْ طِيَلَهَا فَاسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ كَانَتْ آثَارُهَا وَأَرْوَاثُهَا حَسَنَاتٍ لَهُ، وَلَوْ أَنَّهَا مَرَّتْ بِنَهَرٍ فَشَرِبَتْ مِنْهُ وَلَمْ يُرِدْ أن تسقى بِهِ كَانَ ذَلِكَ حَسَنَاتٍ لَهُ، وَهِيَ لِذَلِكَ الرَّجُلِ أَجْرٌ. وَرَجُلٌ رَبَطَهَا تَغَنِّيًا وَتَعَفُّفًا وَلَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي رِقَابِهَا وَلَا ظُهُورِهَا فَهِيَ لَهُ سِتْرٌ، وَرَجُلٌ رَبَطَهَا فَخْرًا ورياء وَنِوَاءً فَهِيَ عَلَى ذَلِكَ وِزْرٌ» فَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْحُمُرِ فَقَالَ: «مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهَا شَيْئًا إِلَّا هَذِهِ الْآيَةَ الْفَاذَّةَ الْجَامِعَةَ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ «٣» مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ بِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٤» : حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ عَنْ صَعْصَعَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَمِّ الْفَرَزْدَقِ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَ عَلَيْهِ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ قال: حسبي لا أبالي أن لا أَسْمَعَ غَيْرَهَا. وَهَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي التَّفْسِيرِ عن إبراهيم بن محمد بن يونس الْمُؤَدِّبِ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا صَعْصَعَةُ عَمُّ الفرزدق فذكره.
(٢) كتاب التفسير، تفسير سورة ٩٩، باب ١.
(٣) كتاب الزكاة حديث ٢٤.
(٤) المسند ٥/ ٥٩.