ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ الْخَيْلُ حِينَ تُغِيرُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَ: اذْهَبْ فَادْعُهُ لِي، فَلَمَّا وقف على رأسه قال: أتفتي النَّاسَ بِمَا لَا عِلْمَ لَكَ، وَاللَّهِ لَئِنْ كَانَ أَوَّلَ غَزْوَةٍ فِي الْإِسْلَامِ بَدْرٌ وَمَا كَانَ مَعَنَا إِلَّا فَرَسَانِ فَرَسٌ لِلزُّبَيْرِ وَفَرَسٌ لِلْمِقْدَادِ، فَكَيْفَ تَكُونُ الْعَادِيَاتُ ضَبْحًا؟ إِنَّمَا الْعَادِيَاتُ ضَبْحًا مِنْ عَرَفَةَ إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ وَمِنَ الْمُزْدَلِفَةِ إِلَى مِنًى، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَنَزَعْتُ عَنْ قَوْلِي وَرَجَعْتُ إِلَى الَّذِي قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال: قال علي: إِنَّمَا الْعَادِيَاتُ ضَبْحًا مِنْ عَرَفَةَ إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ فَإِذَا أَوَوْا إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ أَوْرُوا النِّيرَانَ، وَقَالَ العوفي وغيره عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هِيَ الْخَيْلُ.
وَقَدْ قَالَ بِقَوْلِ عَلِيٍّ إِنَّهَا الْإِبِلُ جَمَاعَةً مِنْهُمْ إِبْرَاهِيمُ وعبيد بن عمير، وقال بقول ابْنِ عَبَّاسٍ آخَرُونَ مِنْهُمْ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَعَطَاءٌ وقتادة والضحاك واختاره ابن جرير، وقال ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ: مَا ضَبَحَتْ دَابَّةٌ قَطُّ إِلَّا فَرَسٌ أَوْ كَلْبٌ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَصِفُ الضَّبْحَ أَحْ أَحْ، وَقَالَ أَكْثَرُ هَؤُلَاءِ فِي قَوْلِهِ: فَالْمُورِياتِ قَدْحاً يَعْنِي بِحَوَافِرِهَا، وَقِيلَ أَسْعَرْنَ الْحَرْبَ بَيْنَ رُكْبَانِهِنَّ، قَالَهُ قَتَادَةُ وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ فَالْمُورِياتِ قَدْحاً يَعْنِي مَكْرَ الرِّجَالِ وَقِيلَ هُوَ إِيقَادُ النَّارِ إِذَا رَجَعُوا إِلَى مَنَازِلِهِمْ مِنَ اللَّيْلِ، وَقِيلَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ نِيرَانُ الْقَبَائِلِ، وَقَالَ: مَنْ فَسَّرَهَا بِالْخَيْلِ هُوَ إِيقَادُ النَّارِ بالمزدلفة. قال ابْنُ جَرِيرٍ: وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ أَنَّهَا الْخَيْلُ حِينَ تقدح بحوافرها.
وقوله تعالى: فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: يَعْنِي إِغَارَةَ الْخَيْلِ صُبْحًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَقَالَ مَنْ فَسَّرَهَا بِالْإِبِلِ هُوَ الدَّفْعُ صُبْحًا مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ إِلَى مِنًى. وَقَالُوا كُلُّهُمْ فِي قَوْلِهِ: فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً هُوَ الْمَكَانُ الَّذِي إِذَا حَلَّتْ فِيهِ، أَثَارَتْ بِهِ الْغُبَارَ إِمَّا في حج أو غزو وقوله تعالى: فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً قَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ وَعِكْرِمَةَ وَقَتَادَةَ وَالضَّحَّاكَ: يَعْنِي جَمْعَ الْكُفَّارِ مِنَ الْعَدُوِّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فَوَسَطْنَ بِذَلِكَ الْمَكَانِ جَمِيعُهُنَّ وَيَكُونُ جَمْعًا مَنْصُوبًا عَلَى الْحَالِ الْمُؤَكَّدَةِ، وَقَدْ رَوَى أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ هَاهُنَا حَدِيثًا غَرِيبًا جِدًّا، فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبَدَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ جُمَيْعٍ، حَدَّثَنَا سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم خَيْلًا فَأَشْهَرَتْ شَهْرًا لَا يَأْتِيهِ مِنْهَا خَبَرٌ، فَنَزَلَتْ وَالْعادِياتِ ضَبْحاً ضَبَحَتْ بِأَرْجُلِهَا فَالْمُورِياتِ قَدْحاً قَدَحَتْ بِحَوَافِرِهَا الْحِجَارَةَ فَأَوْرَتْ نَارًا فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً صَبَّحَتِ الْقَوْمَ بِغَارَةٍ فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً أَثَارَتْ بِحَوَافِرِهَا التُّرَابَ فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً قَالَ: صَبَّحَتِ القوم جميعا.
وقوله تعالى: إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ هَذَا هُوَ الْمُقْسَمُ عليه بمعنى إنه بنعم ربه لكفور جحود قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَأَبُو الْجَوْزَاءِ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَأَبُو الضُّحَى وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ، وَالضَّحَّاكُ وَالْحُسْنُ وَقَتَادَةُ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَابْنُ زَيْدٍ: الْكَنُودُ الْكَفُورُ، قال الحسن: الكنود هو الذي يعد المصائب وينسى نعم الله عليه.