وقوله تعالى: وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ يَعْنِي قَدْ صَارَتْ كَأَنَّهَا الصُّوفُ الْمَنْفُوشُ الَّذِي قَدْ شَرَعَ فِي الذَّهَابِ وَالتَّمَزُّقِ. قَالَ مُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ وَالضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيُّ: العهن الصوف ثم أخبر تعالى عما يؤول إِلَيْهِ عَمَلُ الْعَامِلِينَ وَمَا يَصِيرُونَ إِلَيْهِ مِنَ الكرامة والإهانة بِحَسْبِ أَعْمَالِهِمْ فَقَالَ: فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ أَيْ رَجَحَتْ حَسَنَاتُهُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ يَعْنِي فِي الْجَنَّةِ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ أَيْ رَجَحَتْ سَيِّئَاتُهُ عَلَى حَسَنَاتِهِ.
وقوله تعالى: فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ قِيلَ مَعْنَاهُ فَهُوَ سَاقِطٌ هَاوٍ بِأُمِّ رَأْسِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَعَبَّرَ عَنْهُ بِأُمِّهِ يَعْنِي دِمَاغَهُ، رُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنِ ابن عباس وعكرمة وأبي صالح وقتادة، وقال قَتَادَةُ: يَهْوِي فِي النَّارِ عَلَى رَأْسِهِ وَكَذَا قَالَ أَبُو صَالِحٍ يَهْوُونَ فِي النَّارِ عَلَى رؤوسهم، وَقِيلَ مَعْنَاهُ فَأُمُّهُ الَّتِي يَرْجِعُ إِلَيْهَا وَيَصِيرُ فِي الْمَعَادِ إِلَيْهَا هاوِيَةٌ وَهِيَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ النَّارِ، قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «١» : وَإِنَّمَا قِيلَ لِلْهَاوِيَةِ أُمُّهُ لِأَنَّهُ لَا مَأْوَى لَهُ غَيْرَهَا، وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: الْهَاوِيَةُ النَّارُ هِيَ أُمَّهُ وَمَأْوَاهُ الَّتِي يَرْجِعُ إِلَيْهَا وَيَأْوِي إِلَيْهَا وَقَرَأَ وَمَأْواهُمُ النَّارُ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ قَالَ: هِيَ النَّارُ وَهِيَ مَأْوَاهُمْ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى مُفَسِّرًا لِلْهَاوِيَةِ: وَما أَدْراكَ مَا هِيَهْ نارٌ حامِيَةٌ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «٢» : حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الْأَشْعَثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَعْمَى قَالَ: إِذَا مَاتَ الْمُؤْمِنُ ذُهِبَ بِرُوحِهِ إِلَى أَرْوَاحِ الْمُؤْمِنِينَ فَيَقُولُونَ رَوِّحُوا أَخَاكُمْ فَإِنَّهُ كَانَ في غم الدنيا، قال ويسألونه ما فعل فلان؟ فيقول: مات، أو ما جَاءَكُمْ فَيَقُولُونَ ذُهِبَ بِهِ إِلَى أُمِّهِ الْهَاوِيَةِ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَرْدُويَهْ مِنْ طَرِيقِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ مَرْفُوعًا بِأَبْسَطِ مِنْ هَذَا، وَقَدْ أَوْرَدْنَاهُ فِي كِتَابِ صِفَةِ النَّارِ- أَجَارَنَا اللَّهُ تعالى منها بمنه وكرمه- وقوله تعالى: نارٌ حامِيَةٌ أَيْ حَارَّةٌ شَدِيدَةُ الْحَرِّ قَوِيَّةُ اللهب وَالسَّعِيرِ.
قَالَ أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «نَارُ بَنِي آدَمَ الَّتِي تُوقِدُونَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً؟
فَقَالَ: «إِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وستين جزاء» وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ مَالِكٍ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ بِهِ، وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ:
«أَنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا كُلُّهُنَّ مِثْلُ حَرِّهَا» «٣».
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٤» : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ وَهُوَ ابْنُ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ
(٢) تفسير الطبري ١٢/ ٦٧٧.
(٣) أخرجه البخاري في بدء الخلق باب ١٠، ومسلم في الجنة حديث ٣٠.
(٤) المسند ٢/ ٤٦٧.