مَحَاجِنُهُمْ تَحْتَ أَقْرَابِهِ... وَقَدْ شَرَمُوا أَنْفَهُ فَانْخَرَمْ
وَقَدْ جَعَلُوا سَوْطَهُ مِغْوَلًا... إِذَا يَمَّمُوهُ قَفَاهُ كلم
فولى وأدبر أَدْرَاجِهِ... وَقَدْ بَاءَ بِالظُّلْمِ مَنْ كَانَ ثَمْ
فَأَرْسَلَ مِنْ فَوْقِهِمْ حَاصِبًا... يَلُفُّهُمْ مِثْلَ لَفِّ القزم
يحض عَلَى الصَّبْرِ أَحْبَارُهُمْ... وَقَدْ ثَأَجُوا كَثُؤَاجِ الْغَنَمْ
وقال أبو الصلت بن رَبِيعَةَ الثَّقَفِيُّ، وَيُرْوَى لِأُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ بن أبي ربيعة:
[الخفيف]
إِنَّ آيَاتِ رَبِّنَا بَاقِيَاتٌ... مَا يُمَارِي فِيهِنَّ إِلَّا الْكَفُورُ «١»
خُلِقَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ فَكُلٌّ... مُسْتَبِينٌ حِسَابُهُ مَقْدُورُ
ثُمَّ يَجْلُو النَّهَارَ رَبٌّ رَحِيمٌ... بِمَهَاةٍ شُعَاعُهَا مَنْشُورُ
حَبَسَ الْفِيلَ بِالْمُغَمَّسِ حَتَّى... صَارَ يَحْبُو كَأَنَّهُ مَعْقُورُ
لَازِمًا حَلْقُهُ الْجَرَّانَ كما قطر... من ظهر كبكب محذور
حَوْلَهُ مِنْ مُلُوكِ كِنْدَةَ أَبْطَالُ... مَلَاوِيثُ فِي الْحُرُوبِ صُقُورُ
خَلَّفُوهُ ثُمَّ ابْذَعَرُّوا جَمِيعًا... كُلُّهُمْ عَظْمُ سَاقِهِ مَكْسُورُ
كُلُّ دِينٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ... اللَّهِ إِلَّا دِينُ الْحَنِيفَةِ بُورُ
وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْفَتْحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَطَلَّ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى الثَّنِيَّةِ الَّتِي تَهْبِطُ بِهِ عَلَى قُرَيْشٍ بَرَكَتْ نَاقَتُهُ فَزَجَرُوهَا فَأَلَحَّتْ، فَقَالُوا: خَلَأَتِ الْقَصْوَاءُ أَيْ حَرَنَتْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا خَلَأَتِ الْقَصْوَاءُ وَمَا ذَاكَ لَهَا بِخُلُقٍ وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ- ثُمَّ قَالَ- وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَسْأَلُونِي الْيَوْمَ خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ إِلَّا أَجَبْتُهُمْ إِلَيْهَا» ثُمَّ زَجَرَهَا فَقَامَتْ «٢». وَالْحَدِيثُ مِنْ أَفْرَادِ الْبُخَارِيِّ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ:
«إِنَّ اللَّهَ حَبْسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَإِنَّهُ قَدْ عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس ألا فليبلغ الشاهد الغائب» «٣».
آخر تفسير سورة الفيل، ولله الحمد والمنة.

(١) الأبيات في ديوان أمية بن أبي الصلت ص ٣٨، والبيت الثالث في لسان العرب (مها)، وتاج العروس (مها)، وبلا نسبة في المخصص ٩/ ٢١، ورواية الديوان «ثم يجلو الظلام» بدل «ثم يجلو النهار».
(٢) أخرجه البخاري في الجهاد باب ٥٩.
(٣) أخرجه البخاري في العلم باب ٣٩، ومسلم في الحج حديث ٤٤٧، ٤٤٨.


الصفحة التالية
Icon