الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِهِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حديث حَسَنٌ صَحِيحٌ وَلَفَظُهُ «تَعَوَّذِي بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ هَذَا فَإِنَّ هَذَا الْغَاسِقُ إِذَا وَقَبَ» وَلَفَظُ النَّسَائِيِّ «تَعَوَّذِي بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ هَذَا، هَذَا الْغَاسِقُ إِذَا وَقَبَ» قَالَ أَصْحَابُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: وهو آية اللَّيْلُ إِذَا وَلَجَ هَذَا لَا يُنَافِي قَوْلَنَا لِأَنَّ الْقَمَرَ آيَةُ اللَّيْلِ وَلَا يُوجَدُ لَهُ سُلْطَانٌ إِلَّا فِيهِ، وَكَذَلِكَ النُّجُومُ لَا تُضِيءُ إلا بالليل فَهُوَ يَرْجِعُ إِلَى مَا قُلْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وقوله تعالى: وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ قَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَالْحُسْنُ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ: يَعْنِي السَّوَاحِرَ، قَالَ مُجَاهِدٌ: إِذَا رَقَيْنَ وَنَفَثْنَ فِي الْعُقْدِ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «١» : حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَا مِنْ شَيْءٍ أَقْرَبُ إلى الشِّرْكِ مِنْ رُقْيَةِ الْحَيَّةِ وَالْمَجَانِينِ، وَفِي الْحَدِيثِ الآخر أن جبريل جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:
اشْتَكَيْتَ يَا مُحَمَّدُ؟ فَقَالَ «نَعَمْ» فَقَالَ: باسم اللَّهِ أَرْقِيكَ مِنْ كُلِّ دَاءٍ يُؤْذِيكَ، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ حَاسِدٍ وَعَيْنٍ، اللَّهُ يَشْفِيكَ «٢»، وَلَعَلَّ هَذَا كَانَ مِنْ شَكْوَاهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ سُحِرَ، ثُمَّ عَافَاهُ اللَّهُ تَعَالَى وَشَفَاهُ وَرَدَّ كيد السحرة الحساد من اليهود في رؤوسهم، وَجَعَلَ تَدْمِيرَهُمْ فِي تَدْبِيرِهِمْ وَفَضَحَهُمْ، وَلَكِنْ مَعَ هَذَا لَمْ يُعَاتِبْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ، بَلْ كَفَى اللَّهُ وَشَفَى وَعَافَى.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٣» : حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ حبان عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: سَحَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مَنْ الْيَهُودِ فَاشْتَكَى لِذَلِكَ أَيَّامًا. قَالَ: فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: إن رجلا من اليهود سحرك وعقد لَكَ عُقَدًا فِي بِئْرِ كَذَا وَكَذَا، فَأَرْسِلْ إِلَيْهَا مَنْ يَجِيءُ بِهَا، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عنه فاستخرجها فجاءه بِهَا فَحَلَّلَهَا، قَالَ: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّمَا نَشِطَ مِنْ عِقَالٍ، فَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ لِلْيَهُودِيِّ، وَلَا رَآهُ فِي وجهه حَتَّى مَاتَ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ «٤» عَنْ هَنَّادٍ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ مُحَمَّدِ بْنِ حَازِمٍ الضَّرِيرِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الطِّبِّ مِنْ صَحِيحِهِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ يَقُولُ: أَوَّلُ مَنْ حَدَّثَنَا بِهِ ابْنُ جُرَيْجٍ يَقُولُ: حَدَّثَنِي آلُ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ، فَسَأَلْتُ هِشَامًا عَنْهُ، فَحَدَّثَنَا عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُحِرَ حَتَّى كَانَ يَرَى أَنَّهُ يَأْتِي النِّسَاءَ وَلَا يَأْتِيهِنَّ، قَالَ سُفْيَانُ: وَهَذَا أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنَ السِّحْرِ إِذَا كَانَ كَذَا فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ أَعْلِمْتِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ؟ أَتَانِي رَجُلَانِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالْآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيِّ، فَقَالَ الَّذِي عِنْدَ رَأْسِي لِلْآخَرِ: مَا بَالُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ «٥»، قَالَ: وَمَنْ طَبَّهُ، قال
(٢) أخرجه الترمذي في الجنائز باب ٤، وابن ماجة في الطب باب ٣٦، وأحمد في المسند ٣/ ٢٨، ٥٦.
(٣) المسند ٤/ ٣٦٧.
(٤) كتاب التحريم باب ٢٠.
(٥) المطبوب: المسحور والعرب تكنى بالطب عن السحر. تفاؤلا بالبراء، كما كنوا بالسليم عن اللديغ.