وتنزل من عنده به، وأن العمل الصالح يصعد إليه، وأنه يأتي ويجيء، ويتكلم ويرضى ويغضب ويحب وينادي، ويفرح ويضحك، وأنه يسمع ويبصر، وأنه يراه المؤمنون بأبصارهم يوم لقائه- إلى غير ذلك مما شهد به لنفسه، وشهد له به رسله، وشهدت له الجهمية بضد ذلك، وقالوا شهادتنا أصح وأعدل من شهادة النصوص، فإن النصوص تضمنت كتمان الحق، وإظهار خلافه. فشهادة الرب تعالى تكذب هؤلاء أشد التكذيب، وتتضمن أن الذي شهد به بيّنه وأوضحه وأظهره، حتى جعله في أعلى مراتب الظهور والبيان، وأنه لو كان الحق فيما يقوله المعطلة والجهمية لم يكن العباد قد انتفعوا بما شهد به سبحانه. فإن الحق الذي هو في نفس الأمر عندهم لم يشهد الله به لنفسه، ولم يظهره ولم يوضحه. فليس بحق، ولا يجوز أن يستفاد منه الحق واليقين.
وأما آياته العيانية الخلقية والنظر فيها، والاستدلال بها. فإنها تدل على ما تدل عليه آياته القولية السمعية. وآيات الرب: هي دلائله وبراهينه التي بها تعرف لعباده. فيها يعرفون أسماءه وصفاته، وتوحيده وأمره ونهيه.
فالرسل تخبر عنه بكلامه الذي تكلم به، وهو آياته القولية، ويستدلون على ذلك بمفعولاته التي تشهد على صحة ذلك، وهي آياته العيانية. والعقل يجمع بين هذه وهذه. فيجزم بصحة ما جاءت به الرسل، فتنفق شهادة السمع والبصر والعقل والفطرة.
وهو سبحانه لكمال عدله ورحمته وإحسانه وحكمته ومحبته للعذر، وإقامته للحجة- لم يبعث نبيا من الأنبياء إلا ومعه آية تدل على صدقه فيما أخبر به. قال تعالى: ٥٧: ٣٥ لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ، وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وقال تعالى: ١٦: ٤٣، ٤٤ وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ، فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ، بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وقال تعالى: ٣: ١٨٣ قُلْ: قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي