هذه الحروف الشديدة، ووضعوا للمعنى الخفيف: الهواية، التي هي من أخف الحروف.
وهذا أكثر من أن يحاط به، وإن مد الله في العمر وضعت فيه كتابا مستقلا إن شاء الله تعالى.
ومثل هذه المعاني يستدعي لطافة ذهن، ورقة طبع. ولا تتأتى مع غلظ القلوب، والرضى بأوائل مسائل النحو والتصريف، دون تأملها وتدبرها، والنظر إلى حكمة الواضع، ومطالعة ما في هذه اللغة الباهرة من الأسرار التي تدق عن أكثر العقول. وهذا باب ينبه الفاضل على ما وراءه ٢٤: ٤٠ وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ.
وانظر في تسميتهم الغليظة الجافي بالعتلّ والجعظري، والجواظ، كيف تجد هذه الألفاظ تنادي على ما تحتها من المعاني.
وانظر إلى تسميتهم الطويل بالعشنّق. وتأمل اقتضاء هذه الحروف ومناسبتها لمعنى الطول، وتسميتهم القصير بالبحتر، وموارتهم بين ثلاث فتحات في اسم الطويل، وهو العشنق، وإتيانهم بضمتين بينهما سكون في البحتر، كيف يقتضي اللفظ الأول: انفتاح الفم، وانفراج آلات النطق، وامتدادها، وعدم ركوب بعضها بعضا، وفي اسم البحتر الأمر بالضد.
وتأمل قولهم: طال الشيء، فهو طويل، وكبر كبير. فإن زاد طوله وكبره قالوا: طوالا، وكبارا، فأتوا بالألف التي هي أكثر مدا، وأطول من الياء في الأطول. فإن زاد كبر الشيء، وثقل موقعه من النفوس ثقّلوا اسمه، فقالوا: كبّارا بشد الباء.
ولو أطلقنا عنان القلم في ذلك لطال مداه، واستعصى على الضبط.
فلنرجع إلى ما جرى الكلام بسببه فنقول: