القيامة، أو يسأله أن يرفع عنه لوازم البشرية من الحاجة إلى الطعام والشراب أو يسأله أن يطلعه على غيبه أو يسأله أن يجعله من المعصومين، أو يسأله أن يهب له ولدا من غير زوجة ولا أمة، ونحو ذلك مما سؤاله اعتداء. فكل سؤال يناقض حكمة الله أو يتضمن مناقضة شرعه وأمره، أو يتضمن خلاف ما أخبر به فهو اعتداء لا يحبه الله ولا يحب رسله.
وفسر الاعتداء برفع الصوت أيضا في الدعاء. قال ابن جريج: من الاعتداء رفع الصوت في الدعاء، والنداء في الدعاء والصياح وبعد: فالآية أعم من ذلك كله، وإن كان الاعتداء في الدعاء مرادا بها فهو من جملة المراد والله لا يحب المعتدين في كل شيء، دعاء كان أو غيره، كما قال: ٢: ١٩٠ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ.
وعلى هذا فيكون قد أمر بدعائه وعبادته وأخبر أنه لا يحب أهل العدوان، وهم الذين يدعون معه غيره. فهؤلاء أعظم المعتدين عدوانا. فإن أعظم العدوان هو الشرك، وهو وضع العبادة في غير موضعها. فهذا العدوان لا بد أن يكون داخلا في قوله: إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ.
ومن العدوان: أن يدعوه دعاء غير متضرع، بل دعاء مدلّ، كالمستغني بما عنده المدل على ربه به. وهذا من أعظم الاعتداء المنافي لدعاء الضارع الذليل الفقير المسكين من كل جهة في مجموع حالاته. فمن لم يسأل مسألة مسكين متضرع خائف فهو معتد.
ومن الاعتداء: أن تعبده بما لا يشرعه، وتثني عليه بما لم يثن به على نفسه ولا أذن فيه. فإن هذا الاعتداء في دعاء الثناء والعبادة، وهو نظير الاعتداء في دعاء المسألة والطلب.
وعلى هذا فتكون الآية دالة على شيئين.
أحدهما: محبوب للرب تبارك وتعالى مرضى له، وهو الدعاء تضرعا وخفية.