بمعصيته وخلاف شريعته فلا سمع له ولا طاعة. فإن الله أصلح الأرض برسوله ودينه، وبالأمر بتوحيده، ونهى عن إفسادها بالشرك به وبمخالفة رسوله.
ومن تدبر أحوال العالم وجد كل صلاح في الأرض فسببه توحيد الله وعبادته وطاعة رسوله، وكل شر في العالم وفتنة وبلاء وقحط وتسليط عدو وغير ذلك فسببه مخالفة رسوله والدعوة إلى غير الله ورسوله.
ومن تدبر هذا حق التدبر وتأمل أحوال العالم منذ قام إلى الآن وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين- وجد هذا الأمر كذلك في خاصة نفسه وفي حق غيره عموما وخصوصا. ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

فصل


[سورة الأعراف (٧) : آية ٥٦]
وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦)
إنما كرر الأمر بالدعاء لما ذكره معه من الخوف والطمع. فأمر أولا بدعائه تضرعا وخفية، ثم أمر بأن يكون الدعاء أيضا خوفا وطمعا، وفصل بين الجملتين بجملتين إحداهما خبرية متضمنة للنهي، وهي قوله إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ والثانية طلبية، وهي قوله: وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها والجملتان مقررتان مقويتان للجملة الأولى، مؤكدتان لمضمونها. ثم لما تم تقريرها وبيان ما يضادها ويناقضها أمر بدعائه خوفا وطمعا، ثم قرر ذلك وأكد مضمونه بجملة خبرية، وهي قوله: إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ فتعلق هذه الجملة بقوله: وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً كتعلق قوله: إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ بقوله: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً.
ولما كان قوله تعالى: وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً مشتملا على جميع مقامات الإيمان والإحسان، وهي الحب والخوف والرجاء، عقبها بقوله:


الصفحة التالية
Icon