ثم إنهم لكثرة استعمالهم لهذه اللفظة ودورانها في كلامهم أطلقوها على السكان تارة وعلى المسكن بحسب سياق الكلام وبساطه، وإنما يفعلون هذا حيث لا لبس فيه ولا إضمار في ذلك ولا حذف.
فتأمل هذا الموضع الذي خفي على القوم مع وضوحه.
وإذا عرفت هذا فقوله: إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ليس في اللفظ ما يدل على إرادة موضع ولا مكان أصلا فلا يجوز دعوى إضماره بل دعوى إضماره خطأ قطعا. لأنه يتضمن الأخبار بأن المتكلم أراد المحذوف ولم ينصب على إرادته دليلا لا صريحا ولا لزومها. فدعوى المدعي أنه أراده: دعوى باطلة.
وأما قوله «بردى يصفق» فليس أيضا من باب حذف المضاف بل أراد ببردى النهر، وهو مذكر، فوصفه بصفة المذكر فقال «يصفق» فلم يذكر بناء على خذف المضاف، وإنما ذكر بناء على أن بردى المراد به النهر.
فإن قلت: فلا بد من حذف مضاف لأنهم إنما يسقون ماء بردى لأنفس النهر.
قلت: هذا إن كان مراد الشاعر فلم يلزم منه صحة ما ادعاه من أنه ذكر «يصفق» باعتبار الماء المحذوف، فإن تذكيره إنما يكون باعتبار إرادة النهر وهو مذكر، فلا يدل على ما ادعوه.
وأما
قوله صلّى الله عليه وسلّم: «هذان حرام»
ففي إفراد الخبر سر بديع جدا وهو التنبيه والإشارة على أن كل واحد منهما بمفرده موصوف بأنه حرام، فلو ثنّى الخبر لم يكن فيه تنبيه على هذا المعنى. فلهذا أفرد الخبر، فكأنه قال: كل واحد من هذين حرام فدل إفراد الخبر على إرادة الأخبار عن كل واحد واحد بمفرده.
فتأمله فإنه من بديع اللغة. وقد تقدم بيانه في هذا التعليق في مسألة: