أنزله لحياة الأرض بالنبات. وشبه القلوب بالأودية. فقلب كبير. يسع علما عظيما. كواد كبير يسع ماء كثيرا. وقلب صغير إنما يسع بحسبه، كواد صغير، فسالت أودية بقدرها. واحتملت قلوب من الهدى والعلم بقدرها، وكما أن السيل إذا خالط القلوب أثار ما فيها من الشهوات والشبهات، ليقلعها ويذهبها، كما يثير الدواء وقت شربه من البدن أخلاطه، فيتكدر بها شاربه، وهي من تمام نفع الدواء. فإنه إنما أثارها ليذهب بها، فإنه لا يجامعها ولا يشاركها. وهكذا يضرب الله الحق والباطل.
ثم ذكر المثل الناري فقال: وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ وهو الخبث الذي يخرج عند سبك الذهب والفضة والنحاس والحديد، فتخرجه النار وتميزه، وتفصله من الجوهر الذي ينتفع به، فيرمى ويطرح ويذهب جفاء، وكذلك الشهوات والشبهات يرميها العلم والهدى من قلب المؤمن ويطرحها. ويجفوها، كما يطرح السيل والنار ذلك الزبد والغثاء والخبث، ويستقر في قرار الوادي الماء الصافي الذي يستسقي منه الناس ويزرعون ويسقون أنعامهم. كذلك يستقر في قرار القلب وجذره الإيمان الخالص الصافي الذي ينفع صاحبه وينتفع به غيره. ومن لم يفقه هذين المثلين ولم يتدبرهما، ويعرف ما يراد منهما فليس من أهلهما. والله الموفق.
وقال في مفتاح دار السعادة: ١٣: ١٧ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً.
هذا هو المثل المائي. شبه الوحي الذي أنزله لحياة القلوب بالماء الذي أنزله من السماء. وشبه القلوب الحاملة له بالأودية الحاملة للسيل، فقلب كبير يسع علما عظيما كواد كبير يسع ماء كثيرا، وقلب صغير كواد صغير يسع علما قليلا، فحملت القلوب من هذا العلم بقدرها، كما سالت الأودية بقدرها.