بخير، ولا يقضي لك حاجة. والله سبحانه حي قادر متكلم، يأمر بالعدل، وهو على صراط مستقيم. وهذا وصف له بغاية الكمال والحمد. فإن أمره بالعدل- وهو الحق- يتضمن أنه سبحانه عالم به، معلّم له، راض به، آمر لعباده به، محب لأهله. لا يأمر بسواه، بل ينزه عن ضده، الذي هو الجور والظلم والسفه والباطل. بل أمره وشرعه عدل كله. وأهل العدل هم أولياؤه وأحباؤه، وهم المجاورون له عن يمينه على منابر من نور.
وأمره بالعدل يتناول الأمر الشرعي الديني، والأمر القدري الكوني.
وكلاهما عدل، لا جور فيه بوجه ما، كما في الحديث الصحيح «اللهم إني عبدك ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض فيّ حكمك، عدل فيّ قضاؤك» فقضاؤه: هو أمره الكوني. فإنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون. فلا يأمر إلا بالحق والعدل، وقضاؤه وقدره القائم به حق وعدل.
وإن كان في المقضي المقدّر ما هو جور وظلم. فالقضاء غير المقضي، والقدر غير المقدر.
ثم أخبر سبحانه أنه على صراط مستقيم. وهذا نظير قول رسوله هود ١١: ٥٦ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها، إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ.
فقوله: ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها نظير
قوله صلّى الله عليه وسلّم: «ناصيتي بيدك»
وقوله: إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ نظير قوله «عدل في قضاؤك» فالأول ملكه. والثاني حمده. وهو سبحانه له الملك. وله الحمد. وكونه سبحانه على صراط مستقيم يقتضي أنه لا يقول إلا الحق، ولا يأمر إلا بالعدل، ولا يفعل إلا ما هو مصلحة ورحمة، وحكمة وعدل، فهو على الحق في أقواله وأفعاله فلا يقضي على العبد بما يكون ظالما له به، ولا يأخذه بغير ذنبه، ولا ينقصه من حسناته شيئا. ولا يحمل عليه من سيئات غيره التي لم يعملها ولم يتسبب إليها شيئا، ولا يؤاخذ أحدا بذنب غيره، ولا


الصفحة التالية
Icon