وتبليغ سنته إلى الأمة أفضل من تبليغ السهام إلى نحور العدو. لأن تبليغ السهام يفعله كثير من الناس. وأما تبليغ السنن فلا يقوم به إلا ورثة الأنبياء وخلفاؤهم في أممهم. جعلنا الله تعالى منهم بمنه وكرمه.
وهم كما قال عمر بن الخطاب في خطبته التي ذكرها ابن وضاح في كتاب الحوادث والبدع له، إذ قال:
«الحمد لله الذي امتن على العباد بأن جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، ويبصرون بكتاب الله أهل العمى، كم من قتيل لا بليس قد أحيوه. وضال قد هدوه، بذلوا دماءهم وأموالهم دون هلكة العباد. فما أحسن أثرهم على الناس، وما أقبح أثر الناس عليهم. يغلبونهم في سالف الدهر، وإلى يومنا هذا. فما نسيهم ربك. وما كان ربك نسيا، جعل قصصهم هدى، وأخبر عن حسن مقالتهم، فلا تقصر عنهم، فإنهم في منزلة رفيعة وإن أصابتهم الوضيعة».
وقال عبد الله بن مسعود «إن لله عند كل بدعة كيد بها للإسلام وليا من أوليائه يذب عنها، وينطق بعلاماتها، فاغتنموا حضور تلك المواطن وتوكلوا على الله».
ويكفي في هذا
قول النبي صلّى الله عليه وسلّم لعلي ولمعاذ أيضا «لأن يهدي بك الله رجلا واحدا خير لك من حمر النعم»
وقوله صلّى الله عليه وسلّم «من أحيي شيئا من سنتي كنت أنا وهو في الجنة كهاتين. وضم بين إصبعيه»
وقوله «من دعا إلى الهدى فأتبع عليه كان له مثل أجر من اتبعه إلى يوم القيامة».
فمتى يدرك العامل هذا الفضل العظيم. والحظ الجسيم بشيء من علمه. وإنما ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.