العاشر: أنه سمين لا هزيل. فمعلوم أن ذلك من أفخر أموالهم، ومثله يتخذ للاقتناء والتربية، فآثر به ضيفانه.
[سورة الذاريات (٥١) : آية ٢٧]
فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قالَ أَلا تَأْكُلُونَ (٢٧)
الحادي عشر: أنه قربه إليهم بنفسه، ولم يأمر خادمه بذلك.
الثاني عشر: أنه قربه إليهم، ولم يقربهم إليه. وهذا أبلغ في الكرامة. أن تجلس الضيف ثم تقرب الطعام إليه، وتحمله إلى حضرته، ولا تضع الطعام في ناحية ثم تأمر ضيفك بأن يتقرب إليه.
الثالث عشر: أنه قال: «ألا تأكلون؟» وهذا عرض وتلطف في القول، وهو أحسن من قوله: كلوا، أو مدوا أيديكم ونحوها. وهذا مما يعلم الناس بعقولهم حسنه ولطفه. ولهذا يقولون: بسم الله: أو ألا تتصدق؟ أو ألا تجبر؟ ونحو ذلك.
الرابع عشر: أنه إنما عرض عليهم الأكل لأنه رآهم لا يأكلون، ولم يكن ضيوفه يحتاجون معه إلى الإذن في الأكل، بل كان إذا قدم إليهم الطعام أكلوا وهؤلاء الضيوف لما امتنعوا من الأكل قال لهم «ألا تأكلون؟» ولهذا أوجس منهم خيفة، أي أحسها وأضمرها في نفسه، ولم يبدها لهم. وهو:
الوجه الخامس عشر: فإنهم لما امتنعوا من الأكل لطعامه خاف منهم، ولم يظهر لهم الخوف منهم. فلما علمت الملائكة منه ذلك قالوا: «لا تخف» وبشروه بالغلام الحليم.
فقد جمعت هذه الآية آداب الضيافة التي هي أشرف الآداب، وما عداها من التكلفات التي هي تخلف وتكلف: إنما هي من أوضاع الناس وعوائدهم. وكفى بهذه الآداب شرفا وفخرا. فصلى الله على نبينا وعلى إبراهيم وعلى آلهما، وعلى سائر النبيين.