فنتكلم على هذه الشرور الأربعة ومواقعها واتصالها بالعبد، والتحرز منها قبل وقوعها، وبماذا تدفع بعد وقوعها؟.
وقبل الكلام في ذلك لا بد من بيان الشر: ما هو؟ وما حقيقته؟.
فنقول: الشر. يقال على شيئين: على الألم، وعلى ما يفضى إليه.
وليس له مسمى سوى ذلك. فالشرور: هي الآلام وأسبابها. فالمعاصي والكفر والشرك وأنواع الظلم: هي شرور، وإن كان لصاحبها فيها نوع غرض ولذة، لكنها شرور. لأنها أسباب للآلام، ومفضية إليها، كإفضاء سائر الأسباب إلى مسبباتها. فترتب الألم عليها كترتب الموت على تناول السموم القاتلة، وعلى الذبح والإحراق بالنار، والخنق بالحبل، وغير ذلك من الأسباب التي تكون مفضية إلى مسبباتها، ولا بد، ما لم يمنع من السبية مانع، أو يعارض السبب ما هو أقوى منه وأشد اقتضاء لضده، كما يعارض سبب المعاصي قوة الإيمان، وعظم الحسنات الماحية وكثرتها. فيزيد في كميتها أو كيفيتها على أسباب العذاب. فيدفع الأقوى الأضعف.
وهذا شأن جميع الأسباب المتضادة، كأسباب الصحة والمرض، وأسباب الضعف والقوة.
والمقصود: أن هذه الأسباب التي فيها لذة مّا هي شر، وإن نالت بها النفس مسرة عاجلة. وهي بمنزلة طعام لذيذ شهي لكنه مسموم، إذا تناوله الآكل لذّ لأكله وطاب له مساغه، وبعد قليل يفعل به ما يفعل. فهكذا المعاصي والذنوب ولا بد، حتى لو لم يخبر الشارع بذلك لكان الواقع والتجربة والخاصة والعامة من أكبر شهوده.
وهل زالت عن أحد قط نعمة إلا بشؤم معصيته؟ فإن الله إذا أنعم على عبد نعمة حفظها عليه، ولا يغيرها عنه حتى يكون هو الساعي في تغييرها عن نفسه ١٣: ١١ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ. وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ. وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ.