فقال الفرّاء وجماعة: هو بيان للناس الموسوس في صدورهم.
والمعنى: يوسوس في صدور الناس الذين هم من الجن والإنس، أي الموسوس في صدورهم قسمان: إنس وجن. فالوسواس يوسوس للجني، كما يوسوس للانسي.
وعلى هذا القول: فيكون «مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ» نصب على الحال.
لأنه مجرور بعد معرفة، على قول البصريين. وعلى قول الكوفيين: نصب بالخروج من المعرفة. هذه عبارتهم. ومعناها: أنه لما لم يصلح أن يكون نعتا للمعرفة انقطع عنها. فكان موضعه نصبا.
والبصريون يقدرونه حالا. أي كائنين من الجنة والناس. وهذا القول ضعيف جدا، لوجود:
أحدها: أنه لم يقم دليل على أن الجني يوسوس في صدر الجني.
ويدخل فيه، كما يدخل في إنسي، ويجري منه مجراه من الإنسي. فأي دليل يدل على هذا، حتى يصح حمل الآية عليه؟.
الثاني: أنه فاسد من جهة اللفظ أيضا. فإنه قال: «الذي يوسوس في صدور الناس» فكيف يبين الناس بالناس. فإن معنى الكلام على قوله:
يوسوس في صدور الناس الذين هم، أو كائنين، من الجنة والناس. أفيجوز أن يقال: في صدور الناس الذين هم من الناس وغيرهم؟ هذا ما لا يجوز، ولا هو في الاستعمال فصيح.
الثالث: أن يكون قد قسم الناس إلى قسمين: جنة، وناس. وهذا غير صحيح. فإن الشيء لا يكون قسيم نفسه.
الرابع: أن «الجنة» لا يطلق عليهم اسم الناس بوجه، لا أصلا ولا اشتقاقا ولا استعمالا. ولفظهما يأبى ذلك. فإن الجن إنما سمو جنّا من الاجتنان، وهو الاستتار. فهم مستترون عن أعين البشر. فسمو جنّا لذلك،


الصفحة التالية
Icon