فالصواب: القول الثاني. وهو أن قوله: مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ بيان للذي يوسوس، وأنهم نوعان إنس وجن. فالجني يوسوس في صدور الإنس، والإنسي أيضا يوسوس في صدور الإنس.
فالموسوس نوعان: إنس وجن فإن الوسوسة هي الإلقاء الخفي في القلب. وهذا مشترك بين الجن والإنس، وإن كان إلقاء الإنسي وسوسته إنما هي بواسطة الأذن، والجني لا يحتاج إلى تلك الواسطة. لأنه يدخل في ابن آدم، ويجرى منه مجرى الدم. على أن الجني قد يتمثل له، ويوسوس إليه في أذنه كالإنسي، كما
في البخاري عن عروة عن عائشة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «إن الملائكة تحدث في العنان- والعنان الغمام- بالأمر يكون في الأرض، فتستمع الشياطين الكلمة، فتقرها في أذن الكاهن، كما تقر القارورة، فيزيدون معها مائة كذبة من عند أنفسهم».
فهذه وسوسة وإلقاء من الشيطان بواسطة الأذن.
ونظير اشتراكهما في هذه الوسوسة: اشتراكهما في الوحي الشيطاني.
قال تعالى: ٦: ١١٢ وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً.
فالشيطان يوحي إلى الإنسي باطله، ويوحيه الإنسي إلى إنسى مثله.
فشياطين الإنس والجن يشتركان في الوحي الشيطاني. ويشتركان في الوسوسة.
وعلى هذا: تزول تلك الإشكالات والتعسفات التي ارتكبها أصحاب القول الأول. وتدل الآية على الاستعاذة من شر نوعي الشياطين: شياطين الإنس، وشياطين الجن.
وعلى القول الأول: إنما تكون استعاذة من شر شياطين الجن فقط.
فتأمله فإنه بديع جدا.


الصفحة التالية
Icon