فى المشبه، وهم المنافقون.. كانوا فى زمرة الكافرين، ثم إنهم أعلنوا إيمانهم، واتخذوا هذا الإيمان جنّة يتقون بها يد المؤمنين، إذا هى علت على الكافرين، وأنزلتهم على حكمهم، وذريعة يتوصلون بها إلى ما قد يفىء الله على المؤمنين من خير!.. فكان أن فضح الله نفاقهم، وجاءت آياته تنزع عنهم هذا الثوب الذي ستروا به هذا النفاق، فأصبحوا عراة لا يستطيعون أن يظهروا فى الناس، إلا كما تظهر الحيات برءوسها من وراء أجحارها! وفى المشبه به، وهو هذا الذي استوقد نارا..
هذا الإنسان، كان فى ظلمة الليل، وفى لفح زمهريره القارس، فاستوقد نارا، كى يجد فيها الدفء والنور! ثم جاء هؤلاء المنافقون فيمن جاء إلى هذا الضوء، ليجدوا عنده الأمن، والدفء..
ولكنّ هؤلاء المنافقين، وإن اختلطوا بالمجتمعين على هذا الضوء، وحسبوا- فى ظاهر الأمر- على ما عليه القوم، فإن الله سبحانه حجز عنهم النور، وأخذ على أبصارهم، فلم يروا ما حولهم، ولم يعرفوا وجه الطريق الذي يسلكون، فركبتهم الحيرة، وقيدهم العمى والضلال..!
ونقرأ الآية الكريمة: «مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً، فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ، وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ»، فنجد لمحة من لمحات الإعجاز القرآنى، فى هذا التخالف بين أجزاء الصورة فى المشبه به، حيث كان الظاهر أن يقال: «ذهب الله بنوره وترك فى ظلمات لا يبصر».
ولكن هذا يفسد المعنى، حيث يقضى بهذا الحكم على موقد النار، فيذهب بنوره الذي رفعه لهداية الناس، وحيث يقع هذا الحكم على غير المنافقين، من طالبى الهدى عنده.