قوله تعالى:
«وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ.. فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ».
وبدلا من أن كانت أم موسى على وشك أن تطرق باب فرعون، وتستصرخ هناك، فإنها- وقد ربط الله على قلبها- قد رجعت إلى صوابها، وأخذت تنظر إلى الأمور بعين الحكمة والروية، فطلبت إلى ابنتها أن تتحسس أخباره من بعيد، وأن تتسمع ما يتحدث به المتحدثون من حاشية فرعون من أمر هذا الوليد الذي التقطوه.. ما شأنه؟ وماذا حل به؟ وهل هو حيّ أم ميت؟.. وتسللت الأخت في خفّة ولطف، تحوم حول بيت فرعون، ولا تلمّ به، وتلتقط الأخبار المتساقطة من أفواه القوم، ولا تستخبرهم عنها..
حتى لا يفتضح أمرها، وأمر الوليد معها..
- وفي قوله تعالى: «فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ» - إعجاز من من إعجاز النظم القرآنى، الذي تشخّص فيه الكلمة ألطف المعاني وأرقها، فإذا شعاعات هذا النور، كيان شاخص، يمسك باليد، ويصور بالعين!.
ففى كلمة «بصرت» نرى أن قلب تلك الأخت كان أمام عينيها، فلم تبحث عن أخيها، بعينيها، ولم تتسمع أخباره بأذنيها، وإنما كانت كيانا من الحذر والحيطة، بحيث تقرأ الحركات والإشارات، وتتأول الرموز والألغاز..
فالبصر هنا، بصر علم، أقرب ما يكون إلى الإلهام.. كما يقول سبحانه وتعالى:
«قالَ فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ.. قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ» (٩٤- ٩٦ طه) وفي كلمة: «عَنْ جُنُبٍ» - إشارة إلى الموقف الذي كانت تأخذه هذه الأخت من موقع الحدث.. إنها لم تكن تلقى الأمر لقاء مواجها، وإنما كانت تلقاه عرضا، كأنه من غير قصد! وفي قوله: «وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ» تصفية هذا الموقف، المحاذر، المجانب، من أن يدخل عليه ما يدخل على موقف كثير من


الصفحة التالية
Icon