ونصر للحق في أعلى منازله.. إنه صراع بين إيمان خالص وشرك صريح.
فإذا غلب لإيمان الشرك، فهو نصر للحياة، وللإنسانية كلها، وحقّ له أن يضاف إلى الله: «وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ»..
أما الصراع الذي كان دائرا بين الروم والفرس، فلم يكن قتالا في سبيل الله، ولا انتصارا لدين الله، وإنما كان قتالا على سلطان، وتقاتلا على سلطة، تتنازعها لدولتان منذ قرون طويلة..
أما التفات الدعوة الإسلامية إلى هذا الصراع، فلم يكن إلا ردّا على ما تنادى به المشركون في مكة، وما استقبلوا به أخبار انتصار الفرس وهزيمة الروم، فاتخذوا من الفرس جبهة لهم، على حين عدّوا جبهة الروم المهزومة جبهة للمسلمين.. ولهذا جاء قوله تعالى:
«غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ» - جاء خبرا حياديّا، يحدث عن الواقع الذي سيقع بعد بضع سنين، ليقطع على المشركين فرحتهم التي اصطنعوها من هذا الخبر الذي جاهم بنصر الفرس، وليقول لهم: لا تفرحوا لأمر تستقبلون أوله، ولا تدرون ما يقع في آخره.. فهذا الغلب الذي تفرحون به، هو غلب موقوت ستعقبه هزيمة خلال بضع سنين! ولهذا جاه قوله تعالى بعد ذلك:
«وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا» فهذا للقول وإن كان تعقيبا واقعا على قوله تعالى: «وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ» فإنه يشير من طرف خفىّ إلى قصر أنظار المشركين، وأنهم لا تمدون أبصارهم إلى أبعد من مواقع أقدامهم، ولو أنهم أحسنوا النظر إلى هذا النبأ الذي جاءهم بغلبة الفرس، لما استبدّ بهم الفرح، ولعلموا أن الغلب