هؤلاء المشركون الضالون، إذا لم يكن لهم نظر في أنفسهم، أو كان لهم نظر ولكنه لم يكشف لهم مواقع الحق فيما رأوا منها- أفما كان لهم نظر إلى ما بين أيديهم، وتحت أبصارهم، من بقايا هذه الأمم التي كانت تعمر تلك الأطلال البالية، وهذه القرى الغارقة في أحضان البلى؟ ثم ألا رأوا في هذه المخلفات ما كان عليه أهلها من حياة عامرة، زاخرة، وما كان لهم من قوة وبأس شديد... ؟ ثم ألا أعادوا النظر مرة أخرى، فرأوا كيف تبدلت الحال، وكيف ساء المصير؟ لقد كفروا بآيات الله، وكذبوا رسله، فأوقع الله بهم عقابه، وأخذهم ببأسه، فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهمَ ما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ»
لقد ظلموا هم أنفسهم، فحادوا بها عن طريق الهدى، وأوردوها موارد الهلاك.
- وفي قوله تعالى: «أَثارُوا الْأَرْضَ» إشارة إلى أنهم قلّبوا وجوهها، واستخرجوا خبأها.
قوله تعالى:
«ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ».
السّوءى: أي العاقبة السيئة، وهى ضد الحسنى.. كما يقول الشاعر:
أنّى جزوا عامرا سوءا بفعلهم... أم كيف يجزوننى السوءى من الحسن؟
وهى اسم كان مرفوع، وخبرها «عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا» والتقدير: ثم كانت السوءى عاقبة الذين أساءوا.. أي جزاهم الله سوءا لفعلهم السيّء..
كما يقول سبحانه: «وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها»، وهو من باب المقابلة، وذلك لأن ما يجزون به، إنما هو سوء بالنسبة لهم، لأنه يسوءهم ويؤذيهم.. أما الجهة التي توجهت به إليهم، فهو ليس منها، وإنما هو فعلهم، عاد إليهم، فالأمر لا يعدو أن يكون فعلا وردّ فعل!.