فقدت روحها، وإن لم تفقد حياتها.. ومن هنا نستطيع أن نفهم قول الرسول الكريم: «الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا».. فهذا يعنى أن الروح قد تخلصت بالموت تخلصا تاما من الجسد، وخرجت بوجودها كلية من سجنه المطبق عليها، وعندئذ بحد الإنسان وجوده كاملا.. فالإنسان في حقيقته روح، وما الجسد إلا منزلا نزلته الروح في مرحلة من مراحل السفر في هذا الوجود! ومن هنا نستطيع أيضا أن نلمح أن البعث بالروح لا بالجسد... ولهذا مبحث خاص سنعرض له- إن شاء الله! فالذين يستخفون بالنوم، ويمدونه ضرورة من الضرورات الثقيلة المفروضة على الطبيعة البشرية، ويحسبونه داء من تلك الأدواء التي تلحق الإنسان، وتطغى على وجوده، كالطفولة، والشيخوخة- هؤلاء مخطئون أشد الخطأ، إما لجهلهم، الذي يقصر بهم عن إدراك ما لا تلمسه أيديهم، وتذوقه أفواههم، وإما لأنهم ماديون، لا يرون إلا المادة، ولا يتعاملون إلا بها، ولا يجدون في الإنسان إلا أنه حيوان، مخلف بهذا الخلاف المادي من العظم واللحم! وإذا كان «النوم» - على ما رأيت- نعمة جليلة، فإن الله سبحانه وتعالى، قد جعل الليل الذي هو الظرف الطبيعي للنوم- نعمة جليلة أيضا، كما يقول سبحانه: «قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ.. مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ» (٧٢: القصص)..
فالليل، ستار يغشى الكائنات الحية، ومنها الإنسان، فيسلمها ذلك إلى السكن، ثم النوم!.
إن لليل سلطانا قاهرا كسلطان النهار على الأحياء.. هذا النوم، وذاك