قوله تعالى: «كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ» هو من هذا المعنى، وأن الفناء هو زوال صور الأشياء، وقوالبها وأخذها صورا وقوالب أخرى.. فعملية الخلق مستمرة دأبا، وتقابلها من جهة أخرى عملية الموت، أو البلى، أو الفناء، أو الهلاك..
وكلها هنا بمعنى واحد، وهو التحول والتبدل، لا الفناء المطلق الأبدى، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى، «كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ» (١٠٤: الأنبياء).
وقوله تعالى: «وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ».
«أهون» صيغة تفضيل، وأصله من هان الأمر، أي خف بعد ثقل، وأمر هين: خفيف الحمل، قليل المئونة، ومنه قوله تعالى: «قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ».
وليس بالإضافة إلى الله سبحانه وتعالى، ما هو هين، وأهون منه.. فكل شىء في قدرة الله، لا يعجزه سبحانه، شىء في الأرض ولا في السماء.. لا يتكلف- سبحانه وتعالى- لأمر جهدا.. «إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ».. يستوى في هذا كبير الأمور وصغيرها.. السموات والأرض ومن فيهن، هى في قدرة الله كالذرة أو البعوضة.. «ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ».
فهذا التفضيل «أهون» - منظور فيه إلى قدرة الإنسان، وإلى ما يقوم على صنعه من أشياء.. فاختراع الشيء، لا يتوصل إليه الإنسان إلا بعد جهد، ومعاناة، وتبديل وتغيير، وتسوية، وحذف وإضافة، حتى يستقر الشيء على الصورة التي يرتضيها. ، فإذا انتهى الإنسان إلى تلك الصورة، كان حلها وتركيبها، أمرا هينا عنده، لا يتكلف له جهدا.. إن مثال الصورة قائم بين يديه، وحاضر في تفكيره، وما عليه إلا أن يضع الأجزاء