هو إضراب على ما يتلقاه المشركون من آيات الله المفصلة.. إنهم لا ينتفعون بها، ولا يجنون من ثمرها المبارك الطيب شيئا، بل يظلون على ما هم عليه من ضلال وشرك.. إنهم منقادون لأهواء غالبة عليهم، متسلطة على عقولهم.. ومن كان هذا شأنه، فلن ينقاد إلا بمقود هواه، ولا يستجيب إلا لنداء شيطانه..
وفي قوله تعالى: «بِغَيْرِ عِلْمٍ».. إشارة إلى أن هذا الهوى المتسلط على المشركين، هو هوى أعمى عمى مطبقا، لا تنفذ إليه شعاعة من ضوء النهار الساطع... فقد يكون الإنسان متبعا هواه، ثم إذا نبّه تنبّه، وإذا أرشد رشد... شأن كثير من المشركين، الذين عاشوا في شرك الجاهلية، مستسلمين لأهوائهم، فلما أدركهم الإسلام، وطلعت عليهم شمسه، صحوا من نومهم، واستقبلوا نور الله، فأبصروا من عمى، واهتدوا من ضلال...
وقوله تعالى: «فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ».. إشارة إلى هؤلاء المشركين الذين جمدوا على شركهم، وأقاموا على ضلالهم، وأنهم لن يتزحزحوا عما هم عليه من ضلال، ولن يخرجوا عما هم فيه من شرك، لأن الله سبحانه وتعالى قد أركسهم في هذا الضلال، وأغرقهم في هذا الشرك، وخلّى بينهم وبين أهوائهم: «مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ».. إنهم لن يقبلوا هدى، ولن يطبّ لدائهم طبيب.. وهكذا يعيشون في ضلالهم، ويموتون به... فإذا جاء وعد الله، ووقفوا موقف الحساب والمساءلة، لم يكن لهم من جزاء إلا النار: «وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ» يدفعون عنهم بأس الله.
قوله تعالى:
«فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها.. لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ» :.