قريش عبور الخندق، وكان منهم عمرو بن ودّ العامري، وعتبة بن أبى سفيان..
وقد طلب عمرو بن ود المبارزة، وكان من فرسان العرب المعدودين، ويقال إنه كان يحسب بألف فارس.. وتحرك على بن أبى طالب إلى مبارزة عمرو، فرده النبي إشفاقا عليه منه، وكان علىّ لا يجاوز العشرين من عمره، ولم يستكمل قوته بعد.. وكرر عمرو النداء، وأخيرا أذن النبي لعلى في لقائه، وألبسه النبي درعه، وعمّمه، ودعا له.. والتقى على بعمرو، ولم يلبث أن قتله على، فكبّر وكبر المسلمون.. واهتزت أرجاء المدينة، وغمر البشر والفرحة أهل المدينة من المسلمين، على حين اغتم المشركون واليهود، وعلاهم الخزي والهوان..
وفي أثناء ذلك انكشفت للمسلمين وجوه أهل النفاق، ومن في قلوبهم مرض، ونزلت آيات القرآن تحدث بما كان عليه هؤلاء وأولئك، من مواقف منحرفة، ساعة العسرة وحين البأس..
ثم أوقع الله سبحانه بين المشركين وحلفائهم من اليهود، فاتّهم كل منهما صاحبه في الوفاء بالتزاماته نحوه، فانقصم ما بينهما من ائتلاف، وأعطى كل منهما ظهره لصاحبه.. ثم كان من تدبير الله بعد هذا أن أرسل على معسكر المشركين ريحا عاصفة في ليلة شديدة البرد، فاقتلعت الخيام، وأطفأت النيران، وأطلقت الإبل والخيل من مرابطها.. وكأنها تؤذّن في القوم بالرحيل، وتسبق بالعمل المشاعر التي كانت تدور في صدورهم، فلم يمد أحد منهم يده إلى نصب خيمته التي اقتلعتها العاصفة، ولم يمسك أحد منهم بمقود فرسه، أو خطام ناقته، يعيدها إلى مربطها.. بل لقد بدا لهم هذا الذي حدث، أنه نفير العودة إلى مكة.. فأخذوا وجهتهم إليها، تدفعهم نحوها ريح عاتية، تضربهم بأجنحتها القوية المغموسة بالرمال والغبار!: «وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً» (٢٥: الأحزاب)..