هزّت كيان المسلمين هزا، ومخضت مشاعرهم كما يمخض اللبن، حتى تنكشف الرغوة عن الصريح.. كما يقول سبحانه: «وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ» (١٥٤: آل عمران).
قوله تعالى:
«وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً»..
العطف هنا على قوله تعالى: «وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا» فهذه حال من تلك الأحوال التي عرضت للمسلمين يومئذ، وهى أن المنافقين ومن في قلوبهم مرض من المؤمنين، قد كانوا من الذين ظنوا بالله ظن السوء.. فكان قولهم في مواجهة هذا الابتلاء، هو الكفر الصريح:
«ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً».. أي أكاذيب وأباطيل، وأمانىّ من من الخداع، والتغرير.. وهكذا تكشف الشدائد والمحن عن معادن الناس، وعن مطويات الضمائر، وما تخفى الصدور..
قوله تعالى:
«وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً»..
هو معطوف على ما قبله، وهو بيان لمقولة طائفة من طوائف هؤلاء المنافقين ومن في قلوبهم مرض.. إنهم لم يقفوا عند حدّ هذه الوساوس السوء من الظنون، بل جاوزوا هذا إلى إذاعتها في الناس، وإلى تيئيسهم، وزعزعة إيمانهم.. فينادون في الناس بهذا النداء الشيطاني المشئوم: «يا أَهْلَ يَثْرِبَ