بيوت هؤلاء المعتذرين وحدهم، بل لاستباحوا بيوت المسلمين جميعها.. «إن يريدون إلا فرارا» أي ما يريد هؤلاء المعتذرون إلا فرارا من هذا الموقف الذي هم فيه، وإلا ضنّا بأنفسهم عن أن يشهدوا القتال، وأن يكونوا في المقاتلين.
قوله تعالى:
«وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلَّا يَسِيراً».
هو بيان لضعف إيمان هؤلاء المعتذرين، وأنهم يحرصون على حياتهم أكثر من حرصهم على إيمانهم، أو حرمات بيوتهم..
فلو دخل المشركون على هؤلاء المعتذرين بيوتهم من كل مدخل منها، ثم دعوهم إلى الخروج منها لخرجوا منها، ونزلوا عنها لهم من غير أن يدافعوا عنها، ويؤدوا حق حرمتها عليهم..
- وفي قوله تعالى: «دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ» بالبناء للمجهول، إشارة إلى أن هؤلاء المعتذرين- لحرصهم على الحياة- يسلمون بيوتهم لأى داخل عليهم، فرارا بأنفسهم..
وفي قوله تعالى: «ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ» إشارة إلى أن ما يسألونه، ويطلب إليهم الخروج منه، وهو بيوتهم، هو فتنة، وبلاء عظيم، أشبه بالفتنة في الدين، لأن حرمة البيوت- عند الأحرار تعدل حرمة النفس، والدين، وغيرهما من المقدسات التي يحرص عليها الأحرار.. وفي هذا يقول الله تعالى: «وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ» (٦٦: النساء) فقد جاء الخروج من الديار موازنا لقتل النفوس.. ويقول سبحانه وتعالى:
«وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ» (١٩١: البقرة) فمن الفتنة، الإخراج من الديار.