المفسرون يكادون يجمعون على أن هذه الآية مدنية، من بين آيات السورة المكية كلها.. ولا نجد لهم مستندا لهذا القول إلا ما تشير إليه الآية من الحديث عن الذين أوتوا العلم.. وإذا كان الذين أوتوا العلم هنا هم أهل الكتاب- وخاصة علماء اليهود- وإذا كانت السورة مكية، والقرآن المكي لم يخاطب أهل الكتاب بعد، فيكون من مقتضى هذا، أن الآية من القرآن المدني الذي نزل فى مواجهة أهل الكتاب بعد الهجرة!!.. هكذا كان تقدير القائلين بأن هذه الآية مدنية..
ولا معوّل- عندنا- على هذا الاستنتاج الذي لا يسنده خبر صحيح.. وعلى هذا، فالآية مكية مثل آيات السورة كلها.
وأما الإشارة إلى الذين أوتوا العلم، وليكن المراد بهم أهل الكتاب، فإن هذا لا يمنع من أن يتحدث القرآن عن أهل الكتاب، وأن يستدعيهم الشهادة على ما يعلمون من آيات الله، وأنها الصدق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وذلك قبل أن تلتقى بهم الدعوة، وتلقاهم لقاء مباشرا..
وسواء أشهد أهل الكتاب أم لم يشهدوا، وسواء أكانت شهادتهم حقا أو باطلا، فإن هذه الإشارة إليهم، هى مطالبة لهم بأن يقولوا ما عندهم من علم عن هذا الرسول، وعن الكتاب الذي بين يديه، وأن ينطقوا بألسنتهم ما كتموه فى صدورهم... فإن لم يفعلوا فقد أثموا، وأدينوا، لأنهم خالفوا ما أمرهم الله به، ونقضوا الميثاق الذي أخذه عليهم، كما يقول سبحانه «وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ» (١٨٧: آل عمران) ثم إن فى هذا إرهاصا بما سيكون لهذه الدعوة من شأن مع أهل الكتاب، وأنهم سيدعون إليها، ويطالبون بالايمان بها، وذلك حين يجىء دورهم..