من نعمه، فإن هذه النعم لا يقام بحقها، ولا يؤدّى بعض ما لله على عباده منها، إلا إذا كانت النعم ابتلاء من الله.. كالنقم سواء بسواء، فمن لم يصبر على مراقبة الله فيما حوله من نعم، ضل وانحرف، وفى قارون مثل بيّن فى هذا.. ولهذا جاء قول سليمان، فيما حكاه الله عنه، بعد أن طلب عرش ملكة سبأ فوجده بين يديه، جاء قوله. «هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ» كاشفا عن تلك الحقيقة من أمر النعم، وأنها قد تدعو من لا يحرص على مراقبة الله فيها.
إلى الكفر والضلال.. وقد كان داود عليه السلام فى حراسة دائمة لنفسه.
وفى مراجعة لكل ما يصدر عنه من أقوال وأفعال، وأنه كلما وجد من نفسه ما لا يرضاه فى صلته بربه، بادر بإصلاح ما كان منه، وصالح ربّه بالتوبة والاستغفار..
وفى هذا يقول سبحانه وتعالى عنه: «وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ».
- وقوله تعالى: «وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا» بيان لما أنعم الله به على عبده داود من فواضل إحسانه وكرمه.. وفى تقديم متعلق الفعل وهو الجار والمجرور «منّا» على المفعول به «فضلا» تعظيم للمنعم. وإشارة إلى علو المقام الذي جاء منه الإحسان، فيقطع العقل بأنه إحسان عظيم قبل أن يكشف عن الإحسان.
- وقوله تعالى: «يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ».. هو مقول لقول محذوف.. والتقدير فشكر لنا هذا الفضل، وسبح بحمدنا على هذا الإحسان، فقبلنا منه شكره وحمده، وقلنا «يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ» أي سبحى، وأعينيه على حمدنا وشكرنا، إذ كانت نعمنا عليه كثيرة، لا يستطيع أحد شكرها، مهما اجتهد فى الشكر، وبالغ فى الحمد.. فمن فضل الله على عباده أن يحسن إليهم، ومن تمام هذا الإحسان أن يعينهم على شكره، ومن مضاعفة العون أن يسخر غيرهم ليكونوا ألسنة من ألسنة الشكر لله معهم على ما أنعم الله عليهم.