يستوفى حظه من الحياة، وأن يأخذ مكانه فيها، غير مستند إلى شىء غير ذاته..
ودع عنك ما يقال من أن الإنسانية كانت قد ارتكست وردّت على أعقابها زمن البعثة المحمدية، وأن الشرّ كان قد استشرى بالناس، وأن الظلام قد أطبق عليهم، ولفّهم فى قطع كثيفة من الجهل والضلال، وأن معالم الحضارات التي أقامتها الإنسانية فى وادي النيل على يد الفراعنة، وفى بابل وآشور على يد الكنعانيين والآشوريين، قد ذهبت معالمها، وضلّت فى ظلمات الجهل شواهدها، ومحيت آياتها.. وأن لمعات العقل اليوناني التي سطعت فى العالم القديم قد ذهب الزمن بها، وعقمت الحياة عن أن تلد سقراط، وأفلاطون، وأرسطو.. مرة أخرى..
دع عنك كل هذا، فالدنيا بخير، والحياة ولود، لا يصيبها العقم أبدا، وهى سائرة إلى الأمام، لا ترجع إلى الوراء بحال.. إنها سنّة التطور والارتقاء.. سنة الله فى خلقه، ولن تجد لسنّة الله تبديلا.
ولا نريد أن نقف طويلا هنا، ولا أن نضرب الأمثال والشواهد لهذا.
وحسبنا أن نقول إن القرون الطويلة التي عاشتها الإنسانية، والتي تقدر بعشرات الألوف أو مئاتها من السنين- لم تمكّن لها قبل عصرنا هذا من أن تستخدم قوة البخار والكهرباء، ولم تفتح لها الطريق إلى تحطيم الذرّة، وإلى بناء المراكب الكونية، الكوكبية التي تدور فى فلك الشمس كما تدور الأقمار حولها.. بل وأكثر من هذا.. فإننا ونحن نكتب هذا الكلام يطلع علينا حدث عجب لم يكن يقع إلا فى الأحلام والخيالات، وهو وصول الإنسان إلى القمر، ووضع أقدامه عليه، يمشى فوق أديمه، ويتنقل بين ربوعه..!


الصفحة التالية
Icon