كذلك دعوة موسى، التي تتعامل مع مجتمع كان فى دور الطفولة والصبا، لا يأخذ من الأمور إلا جانبها الواقعي المعجل!!.
وننتهى من هذه الحقيقة إلى حقيقة أخرى، وهى أن «النبىّ» الذي يجىء إلى الإنسانية فى هذا الطور من حياتها، ينبغى أن يكون أكمل الأنبياء، لأنه على قمة الإنسانية فى طورها الذي بلغت فيه رشدها، إذ كان النبىّ فى كل عصر، فى كل أمة، هو ممثل الإنسانية فى هذا العصر، وفى تلك الأمة، وهو خلاصة كل طيب وكريم ونبيل فيها.. وفى هذا يقول النبىّ صلوات الله وسلامه عليه «بعثت من خير قرون بنى آدم، قرنا فقرنا، حتى كنت من القرن الذي كنت فيه» ؟
وعلى هذا، فإنه إذا كانت دعوات الأنبياء رحمات وبركات على الناس فى أجيالهم وأوطانهم- فإن رسالة «محمد» صلوات الله وسلامه عليه رحمة عامة، وبركة شاملة للناس جميعا.. من كل أمة، ومن كل جنس، على مدى الأيام والدهور..
وإنها رسالة لا تخصّ أمة من الأمم، ولا تنتهى عند زمن الأزمان..
فهى ليست للعرب وحدهم، وليست لعصر النبوة وحده، فما العرب إلا لسانها وترجمانها، وما عصر النبوّة إلا مطلعها ومجلى أنوارها.. «قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ.. إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ.. فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ.. النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ.. الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ.. وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ» (١٥٨:
الأعراف).
إن الرسالة الإسلامية، تدعو الناس جميعا إليها، ورسولها ينادى الناس كلهم، بهذه الكلمة العامة الشاملة، وبهذا النداء المطلق: «يا أَيُّهَا النَّاسُ»


الصفحة التالية
Icon