يَذُوقُوا عَذابِ»
. وإذا اطمأنوا إلى هذا المنطق السقيم، الذي أقاموا منه الحجة الباطلة على كذب النبي ودعوته أن يكون الآلهة إلها واحدا- راحوا ينظرون فى النبي ذاته مع صرف النظر عن محتوى رسالته، بعد أن أظهروا بطلانها- بزعمهم- فرأوا أنه على فرض التسليم بصدق ما جاء به- أنه ليس أهلا لأن يتلقى من الله هذا الذكر، وفيهم من هو أكثر مالا وولدا.. فكيف تتخيره السماء دونهم؟ وأين عين السماء عن هؤلاء السادة منهم؟ وهذا ما يشير إليه قوله تعالى على لسانهم: «لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ» (٣١: الزخرف).
وفى تقديم متعلق الفعل «عليه» على فاعله «الذكر» - إشارة إلى أن الإنكار للقرآن هنا، ليس منظورا إليه منهم، بقدر إنكارهم لاختيار الرسول لهذا الأمر، وترك ساداتهم ورجالاتهم.. ولهذا جاء قوله تعالى: «بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي» - إضرابا على إنكارهم لشخص الرسول فيهم.. فإن الأمر ليس أمر الرسول، وإنما هو أمر ما أرسل به، والذي كان أولى بالنظر فيه، وإلى مواقع الصدق منه، وإلى محامله من الهدى والخير.. إنّ ذلك هو الذي كان ينبغى النظر إليه والوقوف عنده، والتعرف عليه، ثم قبوله أو التوقف فيه..
ثم إذ كان لهم نظر فى حامل الرسالة بعد هذا، فليكن نظرا قائما من وراء النظر فيما يحمل إليهم.. ولكنهم قلبوا الأوضاع، فنظروا إلى الرسول بمعزل عن هذا الذي يحمله إليهم، فلم يروا فيه إلا واحدا منهم.. ثم إنهم إذ نظروا إليه فى هذا الوضع، لم ينظروا إلى القيم الإنسانية العالية التي يشتمل عليها كيانه، من مكارم الأخلاق، وصفاء الروح، وعظمة النفس، فكل هذا لا حساب له فى موازينهم التي يزنون بها الرجال، تلك الموازين التي لا يقام وزن الرجال