فلم يسأل فى هذا الادعاء المدعى عليه به، ولم يوجّه إليه أي حديث، بل كان الحديث كله بين داود وبين صاحب الدعوى.. إذ يقول له معلقا على دعواه:
«لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ».. وكان الموقف يقتضى أن يقول للمدعى عليه «لقد ظلمته بسؤال نعجته إلى نعاجك» !. فما جوابك على هذا؟.
لم يكن شىء من هذا.. بل لقد ذهب الخصمان، دون أن يفصل بينهما فيما اختصما فيه.. ويخليان مكانهما للخصمين اللذين هما أولى منهما بهذا الموقف:
داود وخصمه، الذي تمثّل له فى خطيئته..
وهنا يدرك داود أن هذين الخصمين، إنما هما ابتلاء من الله سبحانه وتعالى له، ليكشفا له عن أمر كان منه، فيه مشابه كثيرة من هذه القضية التي بين يديه، فيذكر هذا الأمر، ويكون له من ذكره امتحان وابتلاء، حيث يلتمس السبل فى تخليص نفسه مما وقع فيه، فلا يجد إلا التوبة إلى الله، والاستغفار لذنبه، وهو فى ذلك المقام يتقلب على جمر من الحسرة والندم، قد كربه الكرب واستبد به الجزع على ما فرّط فى جنب الله.. إنه أعرف بربه، وبجلاله وعظمته، وقدرته، وبالنعم السابغة التي أضفاها عليه، ثم هو أعرف بما لله من غيرة على حرماته، كما هو أعرف بما لله من حساب لأوليائه على صغائرهم، وهم فى هذا المقام الكريم الذي أنزلهم فيه..
ومن هنا كان داود فى فتنة قاسية، وابتلاء عظيم، بعد أن كشفت له تلك القضية عن حال من أحواله، لا يرضاه عنه ربه، فغامت نفسه، وضاقت عليه الأرض بما رحبت.. وقد ظل هكذا فى كرب وبلاء عظيمين، يستغفر ربه، ويذرف دموع الندم، إلى أن تلقى إشارة السماء بمغفرة الله سبحانه وتعالى له، ورضوانه عنه، وإحسانه إليه!!