فى اللغة تجىء بمعنى الدين، حيث تجتمع الجماعة عليه، وتكون أمة تنتسب إليه، كما تنتسب بقومينها، فكما يقال الأمة العربية، يقال كذلك الأمة الإسلامية..
يقول النابغة الذبياني:

حلفت فلم أترك لنفسك ريبة وهل يأثمن ذو أمة وهو طائع؟
أي وهل يحلفنّ كاذبا متأثما من كان ذا دين؟
وفى قوله تعالى: «وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ» - إشارة إلى ما بلغ بهم استسلامهم لموروثات آبائهم من ثقة، فيما ورثوه عنهم، فتلقوه فى اطمئنان، دون أن ينظروا فيه بعقولهم، وأن يكشفوا عما فيه من حق أو باطل.. وإن هذا لا يكون إلا من سفيه أحمق، يعطل عقله، ويزهد فيه، ويسترخصه، فلا يعيش إلا من هذا الغذاء الذي هو فضلة مما ترك الآكلون، وقد تعفّن وفسد!! فهل هذا شأنهم مع ما ورثوا عن آبائهم من أموال ومتاع؟ ألم يقلّبوا هذه الأموال والأمتعة بين أيديهم؟ ألم يطرحوا منها ما هو غير صالح؟ ألم يأخذوا الصالح منها، ويعملوا على الإفادة منه؟ فما بالهم مع ما تلقوا عن آبائهم من عادات ومعتقدات هى مما يتصل بعقولهم، - ما بالهم قد قبلوه على علاته، وأخذوه دون نظر فيه:
«أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ؟ (١٧٠: البقرة) قوله تعالى:
«وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ»
.
أي ليس هذا شأن هؤلاء المشركين وحدهم، بل هو شأن أهل الضلال جميعا فى الأمم السابقة، ما جاءهم من نذير إلا تلقوه بهذا القول الضالّ المضلّ:
«إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ» ! وهكذا يقيم الضلال له مجرّى آسنا، يتوارد عليه من منبعه إلى مصبّه


الصفحة التالية
Icon