هو معطوف على قوله تعالى: «إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ».. أي لم يكتفوا بنكث العهد، بعد أن رفع عنهم البلاء، الذي كان مشتملا عليهم، ولم يشكروا الله على العافية، بل ازدادوا كفرا وضلالا، فجمع فرعون قومه، وحشدهم بين يديه، ليعيد إليهم ثقتهم فيه، وإيمانهم به، بعد هذه الزلزلة العاتية التي أصابتهم من هذا البلاء الذي لم يجدوا من فرعون حيلة يحتال بها لدفعه، حتى اضطروا إلى الوقوف بين يدى موسى موقف التذلل والرجاء، طالبين إليه كشف الضر عنهم، فكان لهم ما طلبوا!! وهذا موقف من شأنه أن يذهب بهيبة فرعون، ويتحيّف سلطانه القائم فى قومه، فكان هذا التدبير الذي جاء عقب هذه التجربة التي دخل فيها القوم بيد موسى، ثم أخرجوا منها بيد موسى أيضا..
«وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ.. قالَ يا قَوْمِ: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ.. وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي.. أَفَلا تُبْصِرُونَ؟».
ومن أنكر على فرعون هذا الملك الذي له؟ إنه هو الذي ينكر على نفسه هذا الملك، بعد أن رأى كيف تهزه الأحداث، وتزلزله النكبات، وتكاد تبتلعه الأمواج المضطربة، وهو لا يملك لذلك دفعا!! فأين سلطانه؟ وأين جبروته؟ لقد تعرّى من كل شىء، وأصبح فى هذه المحنة نبتة هزيلة، تعصف بها الرياح فيما تعصف به من نبات وأعشاب! إنه يلوذ بموسى عدوّه، طالبا أن يمد إليه يده ليدفع عنه هذا البلاء الذي نزل به..
إن فرعون هنا يفكر بصوت عال- كما يقولون- فهو بهذا الحديث إلى قومه، يكشف عما يشعر به من ضياع لسلطانه، وذهاب لهيبته. وهو بهذا الحديث يتحسس وجوده الذي ذهب، وسلطانه الذي ضاع.. تماما كما يفعل من صحا من حلم مزعج، رأى فيه أنه سقط من قمة جبل فتحطم، وتبدّد