وتنبيهم من غفلتهم، بإرسال الرسل، وإنزال الكتب- هو مما اقتضته رحمة الله بعباده.. والمراد بالإنذار ما تحمله كلمات الله وآياته من تحذير من عذابه، وتخويف بعقابه، وذلك ليستقيم الناس على الطريق السوىّ، وليرجعوا إلى الله، بعد أن تقطعت بهم السبل إليه..
وفى الاقتصار على الإنذار، مع أن رسالات السماء تحمل بين يديها- مع النذر التي تحملها إلى المشركين، والمكذبين- بشريات برضوان الله، وجنات عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين- فى هذا إشارة إلى أن رسالات السماء إنما تجىء وقد ركب الناس رءوسهم، وتنكبوا عن طريق الحق، وجرفهم تيار الضلال إلى حيث بشرف بهم على الهلاك، فكان من شأن من يخفّ للنجدة، والإنقاذ، أن ينفخ نفخة النذير، وأن يصرخ فى هذا الموكب المتجه إلى حافة الهلاك: أن قفوا، وإلا فهو الهلاك وسوء المصير.. فإذا كان من هؤلاء الضالين استماع لهذا النذير، واستجابة لدعوته- كان للحديث عن الحياة الجديدة التي يحياها الناس مع الايمان بالله والاستقامة على طريق الحق، وما وراء هذه الحياة من نعيم مقيم فى جنات عرضها السموات والأرض، أعدت للمتقين- كان لهذا الحديث آذان تسمع، وقلوب تفقه، وصدور تنشرح، ونفوس تتهيأ للبذل والتضحية فى سبيل هذا المعتقد الذي اعتقدته، واطمأنت إليه..
هذا، ومن مبادئ الشريعة: أنّ دفع المضار مقدم على جلب المصالح.
وعلى هذا فالإنذار من الخطر هو المطلوب أولا.. ثم يكون الاتجاه بعد هذا إلى جلب المنافع..
قوله تعالى:
«فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ».


الصفحة التالية
Icon