خفايا وأسرار، تطلع من وراء ستر محجبة، لا يعرف الطريق إليها إلا أصحابها، الذين يخيّلون للناس منها ما يخيلون..
فالقول بأن هذا القرآن مفترى على الله أقرب إلى القبول فى باب الجدل والمراء من القول بأنه سحر.. ولكن هذا القول لا يلبث أن ينكشف زيفه وبطلانه إذا وضع موضع الاختيار، إذا قيل لقائليه: ما لكم لا تأتون بعشر سور مثله مفتريات، أو بسورة واحدة مفتراة؟ وماذا يحول بينكم وبين الافتراء، والمجال فيه متسع فسيح لمن يشاء أن يرد موارده؟.
وقد ردّ الله سبحانه وتعالى على مقولتهم تلك، فى غير هذا الموضع من القرآن الكريم، فقال تعالى: «أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ» (١٣: هود)..
وهنا، فى هذا الموقف يلقاهم، رد آخر فى قوله تعالى: «قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئاً».. وهذا الرد يتجه إلى الافتراء من حيث هو كذب على الله، وعدوان عليه سبحانه وتعالى، وأن من افترى على الله فقد تعرض لسخطه ونقمته، وأنه لا أحد يدفع عن المفترى على الله سخط الله، وعذاب الله! فلم يفترى النبي على الله، ولم يعرض نفسه لهذا البلاء؟
وما الثمن الذي أخذه من وراء هذه المجازفة؟.
وقوله تعالى: «هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ» هو تهديد للمشركين بقولهم هذا الذي يقولونه فى كلمات الله وآياته..
وأفاض فى الحديث: توسع فيه، وأكثر منه.. حتى يجاوز الحدود، ويخرج عنها، كما يفيض السائل من الإناء، ويسيل فى كل مسيل..
وإفاضة القوم فى القرآن، هو مقولاتهم الكثيرة فيه، وهى مقولات