إلى قومهم منذرين، داعين إلى الله، فاتحين الطريق إلى تلك الدعوة لتأخذ مكانها بين من يؤمنون بها، ويدافعون عنها..
وفى بيعة العقبة الأولى، نرى هذا النفر الكريم من الأنصار، وقد انفرد برسول الله ﷺ فى مكان منعزل خارج مكة، بعيد عن أهل الموسم الذين امتلأت بهم شعاب مكة وساحاتها، وعلى خوف من قريش، وعيونها الراصدة لحركات النبي، ولكل من يطلب لقاءه، أو ينشد أخباره من أهل الموسم.. ثم جلسوا بين يديه يستمعون فى رهبة وخشوع إلى آيات الله، التي كان قد وقع فى آذانهم بشىء منها، فيما كانت تتناقله الركبان، وتردده الألسنة.. ثم ما أن انتهى النبىّ من تلاوة ما تيسر من آيات الله، حتى وجدت الجماعة نور الإيمان يملأ قلبها، وبرد اليقين يثلج صدرها.. فمدوا أيديهم إلى الرسول الكريم، يبايعونه على الإيمان بالله، والدعوة إلى الله، والنصرة لدين الله..
ويحدث التاريخ أن رجال العقبة الأولى كانوا اثنى عشر رجلا، يذكرون بأسمائهم.. وأنهم كتموا أمرهم عمن شهدوا الموسم من قومهم، فلما انتهى موسم الحج، ورجعوا إلى المدينة، ذاع أمرهم، وكثر أعداد الداخلين فى الإسلام من أهل المدينة، من الأوس والخزرج..
ثم إنه لما كان الموسم التالي، جاء كثير من المسلمين إلى مكة ولم يكن همهم أن يشهدوا الموسم بقدر ما كان من همهم أن يلتقوا برسول الله، وأن يبايعوه، ويتلقوا هدى السماء منه..
وفى ليلة من ليالى الموسم كان الرسول صلوات الله وسلامه عليه على موعد للقاء القوم عند العقبة، على نحو ما كان من لقائه إخوانهم فى الموسم السابق..