بغيبوبة من يقع تحت خمار الخمر، فتنطفىء لذلك تلك الشعلة التي تمدّ كيانه بالحرارة والحركة، ويبدو وكأنه جثة هامدة، بلا شعور، ولا حركة، ولا وعى!.
وقوله تعالى «بِالْحَقِّ» متعلق بالفعل «جاء» أي جاءت سكرة الموت محملة بالحق، الذي غاب عن هذا الإنسان الذي لا يؤمن باليوم الآخر، حيث يرى عند الاحتضار، ما لم يكن يراه من قبل، وحيث يبدو له فى تلك الساعة كثير من شواهد الحياة الآخرة، التي هو آخذ طريقه إليها..
وقوله تعالى: «ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ» - الإشارة إلى «الحق» وهو الموت، وما وراءه من بعث وحساب وجزاء.. وذلك الحق هو ما كان هذا الكافر باليوم الآخر، منكرا له، حائدا عن الداعي إليه، المنذر به..
وقرىء: «وجاء سكرة الحق بالموت» ويكون المعنى على هذا، وجاءت سكرة الحق بالموت الذي كان يحيد عنه هذا الإنسان، والذي كان فى حياته غير مقدر أنه سيموت.. «يحسب أن ماله أخلده».. فهو لهذا غافل عن الموت، كما يقول سبحانه وتعالى: «لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ»..
قوله تعالى:
«وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ»..
هو عرض للأحداث التي تجىء بعد الموت.. فليس هذا الموت هو آخر المطاف، وإنما وراءه بعث، وحساب، وجزاء..
والنفخ فى الصور، هو كناية عن أمر الله، ودعوته إلى الموتى بالخروج من قبورهم، كما يقول سبحانه: «ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ» (٢٥: الروم)..