وإلى أين يطير الفراش الحشرى إذا رأى نارا، أو أحس ضوءا؟
إنه لا وجهة له حينئذ إلا هذه النار وهذا الضوء!! وكذلك الناس، أو الفراش البشرى، لا مورد لهم إلا هذه النار التي سعّرت وتأججت.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: «وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا» (٧١: مريم).
وما مصير هذا الفراش الحشرى المتدافع إلى النار؟ إنه يتقحمها، ويلقى بنفسه فيها، وكأنّ يدا قوية تدفعه إليها دفعا ليكون وقودا لها.. وقليل قليل هو الذي ينجو بنفسه، ويعدل بوجهه عن لهيبها..
كذلك شأن الفراش البشرىّ الوارد على نار جهنم، إنه وقود هذه النار إلا قليلا قليلا ممن أنجاهم الله منها، وكتب لهم الفوز بجنات النعيم، كما يقول سبحانه: «ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا» (٧٢: مريم)..
فهذا القليل هو الذي يقف فى منطقة النور دون أن يتقحم النار..
وأما الكثير الغالب، فإنه يغشى فى هذا الضوء فيهوى فى جهنم.. إنه أعمى لا يرى إلى أين مساقه، لأنه حشر على ما كان فى الدنيا من عمى: «قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى».. فالهلكى فى الآخرة كثيرون، والناجون قليل بل وأقل من القليل!! وأكاد أقول إن الناس سيكونون يوم القيامة على صورة الفراش حقيقة لا تشبيها، وذلك لهذا التوافق العجيب الدقيق بين الصورتين، - صورة الفراش الحشرى، وصورة الفراش البشرى- فى الملامح، والألوان، والظلال..