ترى هذا التزاوج فى الموجودات، وإنما هم على طبيعة هى من عالم الحق، والخير، والنور، فلا ترى من الأشياء إلا ما هو حق، وخير، ونور..
وهنا يبدو لنا بعض السر فى هذا الجمع بين الجن والإنس فى قوله تعالى: «وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ».. فالجن فى هذا المقام كالإنس، فى أن كلا منهما على طبيعة يرى بها الأشياء فى هذا الازدواج:
الخير والشر، والحق والباطل.. وكما جمعت هذه الطبيعة بين الجن والإنس فى رؤية الأشياء على الازدواج- جمعت بينهما فى الخطيئة، وفى عصيان أمر الله.. فعصى إبليس أمر ربه بالسجود لآدم، وعصى آدم ربه فى الأكل من الشجرة التي نهاه الله عن الأكل منها.. فالشيطان عصى فى أمر، وآدم عصى فى نهى.. وعصيان الأمر- فى ميزان التحدّى والمخالفة- أثقل وأشنع منه، فى حال النهى.. إذ كان الأمر إيجابا، والنهى سلبا..
فالأمر فعل، والنهى ترك.. وإتيان المأمورات، مقدم على ترك المنهيات، ولهذا التزم القرآن تقديم الأمر على النهى فى كل مقام اجتمعا فيه، فقال تعالى: «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ» (١١٠: آل عمران) وقال سبحانه: «يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ» (١٧: لقمان).
وذلك أن فعل الأمر، يحمل فى طياته الانتهاء عن منكر يقع فيه من لا يمتثل الأمر..
ومخالفة الأمر يحمل مع تضييع الأمر، الوقوع فى محذور النهى..
وليس الشأن كذلك فى النهى، الذي يقف بصاحبه عند محذور النهى، إذا هو فعل المنهي عنه..