الميزان الذي يزن به الأمور، ويفرق به بين خيرها وشرها- بعد هذا يجىء قوله تعالى مخاطبا الكائنين اللذين لهما وجود ظاهر على هذه الأرض، ولهما مجال فسيح فيها، وصراع محتدم بينهما على الخير والشر اللّذين فى كيانهما.. فيقول سبحانه:
«فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ»..
فالخطاب هنا من الحق سبحانه وتعالى، إلى عالمى الجن والإنس، إذ هما- كما قلنا- الكائنان المكلّفان، بما لهما من عقل وإدراك. وهما اللذان يحاسبان، ويثابان، أو يعاقبان.
والآلاء: جمع إلى، على وزن معى، وألى على وزن على وهى النعم..
والاستفهام هنا تقريرى، إذ كانت نعم الله ظاهرة، تلبس كل ذرة فى هذا الوجود.. حيث أن الوجود نفسه، هو نعمة بالنسبة العدم..
عن ابن عمر، أن رسول الله ﷺ قرأ سورة الرحمن على أصحابه فسكنوا، فقال: «ما لى أراكم سكوتا؟ للجنّ أحسن جوابا لربها منكم»..
قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: «ما أتيت على قوله تعالى:
«فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ» إلا قالت الجن: ولا بشىء من نعم ربنا نكذب»..
وعن جابر بن عبد الله، قال خرج رسول الله ﷺ على أصحابه، فقرأ سورة الرحمن من أولها إلى آخرها، فسكتوا، فقال: «لقد قرأتها على الجن، ليلة الجن، فكانوا أحسن ردودا منكم.. كنت