أن يكون عليها إيمان المؤمن، بعد أن كشفت الآيتان السائقتان عن الصورة المهزوزة، المنكرة، التي تكون للمؤمن حين يقول، ولا يفعل ما يقول..
ولما كان الجهاد فى سبيل الله أعظم الأفعال، وأكرمها، وأصدقها، حيث موقف المجاهد، وثباته فى ميدان القتال، والتحامه فى صفوف المجاهدين، وجعل كيانه بعضا من كيانهم، وحيث يكون هذا الموقف دليلا عمليا قاطعا على صدق الإيمان ووثاقته- لمّا كان هذا شأن الجهاد، فقد جعله الله سبحانه وتعالى هو المحكّ الذي يظهر عليه إيمان المؤمن، والشهادة التي تشهد له عند الله وعند الناس أن فعله يصدّق قوله على أتم صورة وأكملها..
وعلى هذا، فإن من أراد أن يكون مؤمنا حقّا، وأن يبرىء نفسه من الكذب والنفاق- عليه أن يشهد مواقف القتال، وأن يأخذ مكانه فى صف المجاهدين، وأن يعطى الجهاد حقه، وأن يقاتل حتى يكتب الله النصر للمومنين، أو يقتل وهو فى مواجهة العدو، لا موليا دبره، ولا محتميا بظهر غيره من المجاهدين.. فذلك هو الإيمان، بل هو أعلى درجات الإيمان وأكرمها، وأصدقها.. فأى قول يقوله المؤمن المجاهد بعد هذا، هو قادر على الوفاء به.. فإن من قدّم نفسه للاستشهاد فى سبيل الله، لهو أقوى من أن يضعف عن الوفاء بكلمة يقولها..
وقوله تعالى:
«وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ» فى هذه الآية عزاء للنبى- صلوات الله وسلامه عليه- عما يرى فى بعض المؤمنين من ضعف إيمان، أو انحراف عن غير الطريق القويم، أو انحياز إلى المشركين، أو ممالأة للكافرين.. فهذا كله مما يمكن أن يقع فى الإنسانية، حيث