لكأنهم إنما يتعاطون شرابا مرّا لا يجدون له مساغا.. ثم إنهم لا يقفون عند هذا الذي كان من لىّ رءوسهم عند سماعهم لدعوة من يدعوهم إلى رسول الله ليستغفر لهم.. بل إنهم بعد أن تذهب عنهم آثار هذه الصدمة، يأخذون طريقا غير الطريق المتجه إلى الرسول، ويمعنون فى الصدود والخلاف، عنادا واستكبارا.
وقد يبدو من العجب أن يجتمع الكبر، والجبن، فى كيان المنافقين..
ولكن مع قليل من النظر، يتضح أن هذا هو التركيب الطبيعي للمنافق، الذي لا يكون محققا لصفة النفاق حتى يجمع بين المتضادات.. الإيمان، والكفر..
الصدق باللسان، والكذب بالقلب.. الظاهر الحسن، والباطن الخبيث..
وهكذا.. فالمنافق شخصان، بعيش أحدهما مع الناس، ويعيش الآخر فى كيان صاحبه.. أو هو شخصية مزدوجة، يكاد ينفصل ظاهرها عن باطنها..
قوله تعالى:
«سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ.. إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ»..
هو تيئيس للمنافقين من أن ينالوا مغفرة الله، سواء أجاءوا إلى النبىّ يطلبون أن يستغفر لهم، فاستغفر لهم، أو لم يستغفر لهم.. فإن الله سبحانه لا يغفر لهم، لأنهم لم يجيئوا إلى النبىّ إلا على طريق من نفاق، ولم يتحدثوا إليه إلا بألسنة منافقة، ومن هنا لم يقبل استغفار رسول الله لهم، كما لم تقبل توبتهم..
إنهم تابوا إلى الله بألسنتهم دون قلوبهم.. إنهم فاسقون، قد خرجوا من الإيمان بعد أن دخلوا فيه.. «إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ».